responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 205
بَعْدَ مَا بَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْإِفْسَادِ أَرَادَ أَنْ يَهْدِيَنَا إِلَى مَا يَجْمَعُ الْبَشَرَ كَافَّةً عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّلَامِ، وَالْوِفَاقِ الَّذِي قَرَّرَهُ الْإِسْلَامُ، وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الْإِيمَانُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَجَعَلَ هَذِهِ الْهِدَايَةَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَشَرَّفَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ فَقَالَ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) إِلَخْ. السِّلْمُ الْمُسَالَمَةُ وَالِانْقِيَادُ وَالتَّسْلِيمُ، فَيُطْلَقُ عَلَى الصُّلْحِ وَالسَّلَامِ، وَعَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ (السَّلْمِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ. وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ بِالصُّلْحِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ (الْجَلَالُ) ، وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ (كَافَّةً) حَالٌ مِنَ السِّلْمِ; أَيْ: فِي جَمِيعِ شَرَائِعِهِ. وَأَقُولُ: إِنَّ أَسَاسَهَا الِاسْتِسْلَامُ لِأَمْرِ اللهِ وَالْإِخْلَاصُ لَهُ، وَمِنْ أُصُولِهَا الْوِفَاقُ وَالْمُسَالَمَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَتَرْكُ الْحُرُوبِ وَالْقِتَالِ بَيْنَ الْمُهْتَدِينَ بِهِ. وَاللَّفْظُ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَعَانِيهِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْمَقَامُ، وَالْأَمْرُ بِالدُّخُولِ فِيهِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ حِصْنٌ مَنِيعٌ لِلدَّاخِلِينَ فِي كَنَفِهِ، وَهُوَ لِلْكَامِلِينَ مِنْهُمْ أَمْرٌ بِالثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) (33: 1) وَلِمَنْ دُونَهُمْ أَمْرٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَتَحَرِّي الْكَمَالِ فِيهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِطَابَ فِيهِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ كُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ فَالدُّخُولُ عَلَى حَقِيقَتِهِ. يَقُولُ لَهُمْ: إِذَا لَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَكْمَلَهُ لِخَلْقِهِ كَافَّةً بِبَعْثَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، فَلَا يَنْفَعُكُمْ إِيمَانُكُمْ بِهِ مَعَ بَقَائِكُمْ عَلَى تَعَادِيكُمْ وَتَفَرُّقِكُمْ، وَدِينُ اللهِ جَامِعٌ لَا تَفَرُّقَ فِيهِ. وَهَاكَ مَا كَتَبْتُهُ بَعْدَ حُضُورِ دَرْسِ تَفْسِيرِ شَيْخِنَا لِلْآيَةِ:
هَذِهِ كَلِمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقَاعِدَةٌ لَوْ بَنَى جَمِيعُ عُلَمَاءِ الدِّينِ مَذَاهِبَهُمْ عَلَيْهَا لَمَا تَفَاقَمَ أَمْرُ
الْخِلَافِ فِي الْأُمَّةِ، ذَلِكَ أَنَّهَا تُفِيدُ وُجُوبَ أَخْذِ الْإِسْلَامِ بِجُمْلَتِهِ، بِأَنْ نَنْظُرَ فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الشَّارِعُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَصٍّ قَوْلِيٍّ وَسُنَّةٍ مُتَّبَعَةٍ، وَنَفْهَمَ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَنَعْمَلَ بِهِ، لَا أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِكَلِمَةٍ أَوْ سُنَّةٍ وَيَجْعَلَهَا حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ أَدَّتْ إِلَى تَرْكِ مَا يُخَالِفُهَا مِنَ النُّصُوصِ وَالسُّنَنِ، وَحَمْلِهَا عَلَى النَّسْخِ أَوِ الْمَسْخِ بِالتَّأْوِيلِ، أَوْ تَحْكِيمِ الِاحْتِمَالِ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا دَلِيلٍ، وَلَوْ أَنَّكَ دَعَوْتَ الْعُلَمَاءَ إِلَى الْعَمَلِ بِالْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ - الَّذِي عَرَفُوهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلى قَائِلِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ فِي التَّفْسِيرِ غَيْرَهُ عَلَيْهِ - لَوَلَّوْا مِنْكَ فِرَارًا، وَأَعْرَضُوا عَنْكَ اسْتِكْبَارًا، وَقَالُوا: مَكَرَ مَكْرًا كُبَّارًا، إِذْ دَعَا إِلَى تَرْكِ الْمَذَاهِبِ، وَحَاوَلَ إِقَامَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْهَجٍ وَاحِدٍ.
وَمِنْ آيَاتِ الْعِبْرَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّنَا نَجِدُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَائِنَا هُدًى وَنُورًا لَوِ اتَّبَعَتْهُ الْأُمَّةُ فِي أَزْمِنَتِهِمْ لَاسْتَقَامَتْ عَلَى الطَّرِيقَةِ، وَوَصَلَتْ إِلَى الْحَقِيقَةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ مَضِيقِ الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ إِلَى بُحْبُوحَةِ الْوَحْدَةِ وَالِاتِّفَاقِ، وَالسَّبَبُ فِي بَقَاءِ الْغَلَبِ لِسُلْطَانِ الْخِلَافِ وَالنِّزَاعِ فُشُوُّ الْجَهْلِ، وَتَعَصُّبُ أَهْلِ الْجَاهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِمَذَاهِبِهِمُ الَّتِي إِلَيْهَا يَنْتَسِبُونَ، وَبِجَاهِهَا يَعِيشُونَ وَيُكْرَمُونَ، وَتَأْيِيدُ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ لَهُمُ اسْتِعَانَةً بِهِمْ عَلَى إِخْضَاعِ الْعَامَّةِ، وَقَطْعِ طَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ الْعَقْلِيِّ وَالنَّفْسِيِّ عَلَى الْأُمَّةِ; لِأَنَّ هَذَا أَعْوَنُ لَهُمْ عَلَى الِاسْتِبْدَادِ، وَأَشَدُّ تَمْكِينًا لَهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 205
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست