responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 198
وَفِي الْحِكَمِ: (كُلُّ كَلَامٍ يُبْرِزُ عَلَيْهِ كُسْوَةٌ مِنَ الْقَلْبِ الَّذِي عَنْهُ صَدَرَ) وَلِهَذَا كَانَ إِرْشَادُ الْمُخْلِصِينَ نَافِعًا، وَخِدَاعُ الْمُنَافِقِينَ صَادِعًا.
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي التَّفْسِيرِ تَكُونُ جُمْلَةُ (وَيُشْهِدُ اللهَ) وَصْفًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ حَالٍ مِمَّا قَبْلَهُ ; أَيْ: أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ إِلَّا الْكَلَامَ فِي الدُّنْيَا لِيُعْجِبَ السَّامِعَ وَيَخْدَعَهُ، وَلَكِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ قَلْبَهُ مَعَ اللهِ، وَأَنَّهُ حَسَنُ السَّرِيرَةِ، وَإِنَّكَ لَتَرَى هَذَا فِي سِيرَةِ الْمُجْرِمِينَ ظَاهِرًا جَلِيًّا كَمَا وَصَفَ اللهُ تَعَالَى: يَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ، وَيَمْنَعُونَ الزَّكَاةَ، وَيَشْرَبُونَ الْخُمُورَ، وَيَتَسَابَقُونَ إِلَى الْفُجُورِ، وَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، ثُمَّ يُفَضِّلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الدِّينِ عَلَى أَهْلِ النَّزَاهَةِ وَالتَّقْوَى، زَاعِمِينَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ قَدْ عَمَرَتْ ظَوَاهِرُهُمْ بِالْعَمَلِ وَالْإِرْشَادِ، وَلَكِنَّ بَوَاطِنَهُمْ خَرِبَةٌ بِسُوءِ الِاعْتِقَادِ، وَيَقُولُونَ: نَعَمْ إِنَّنَا نَحْنُ نَأْكُلُ الرِّبَا أَوِ الْقِمَارَ وَلَكُنَّا نُحَرِّمُهُ، وَنَأْتِي فِي نَادِينَا وَخَلْوَتِنَا الْمُنْكَرَ وَلَكِنَّا لَا نَسْتَحْسِنُهُ، وَأَنَّ مَا نَبْتَزُّهُ مِنْ جُيُوبِ الْأَغْنِيَاءِ بِخَلَابَتِنَا لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ تَرْفِيهَ مَعِيشَتِنَا، وَإِنَّمَا هُوَ أَجْرٌ عَلَى السَّعْيِ فِي إِعْلَاءِ شَأْنِهِمْ، وَمُكَافَأَةً عَلَى خِدْمَةِ أَوْطَانِهِمْ. فَهُمْ بِهَذِهِ الدَّعَاوَى أَلَدُّ الْخُصَمَاءِ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ، فَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، وَدَلَّتْ هِدَايَتُهُ فِي كِتَابِهِ، عَلَى أَنَّ سَلَامَةَ الِاعْتِقَادِ وَإِخْلَاصَ السَّرِيرَةِ هُمَا يَنْبُوعُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالْأَقْوَالِ النَّافِعَةِ (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) (7: 58) .
وَانْظُرْ مَا قَالَهُ عَزَّ شَأْنُهُ، فِي وَصْفِ فَرِيقِ هَذِهِ الدَّعَاوَى الْعَرِيضَةِ، وَالْقُلُوبِ الْمَرِيضَةِ، قَالَ: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا) . فِي تَفْسِيرِ التَّوَلِّي هُنَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَاحِبَ الدَّعْوَى الْقَوْلِيَّةِ إِذَا أَعْرَضَ عَنْ مُخَاطِبِهِ وَذَهَبَ إِلَى شَأْنِهِ فَإِنَّ سَعْيَهُ يَكُونُ عَلَى ضِدِّ مَا قَالَ، يَدَّعِي الصَّلَاحَ وَالْإِصْلَاحَ وَحُبَّ الْخَيْرِ، ثُمَّ هُوَ يَسْعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ ; ذَلِكَ أَنَّهُ لَا هَمَّ لَهُ إِلَّا فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ وَالْحُظُوظِ الْخَسِيسَةِ، فَهُوَ يُعَادِي لِأَجْلِهَا أَهْلَ الْحَقِّ وَالْفَضِيلَةِ وَيُؤْذِيهِمْ ; لِأَنَّهُ أَلَدُّ خَصْمٍ لَهُمْ
لِلتَّنَاقُضِ وَالتَّضَادِّ فِي الْغَرَائِزِ وَالسَّجَايَا، وَيُعَادِي أَيْضًا الْمُزَاحِمِينَ لَهُ فِيهَا مِنْ أَمْثَالِهِ الْمُفْسِدِينَ، فَلَا يَكُونُ لَهُ هَمٌّ وَرَاءَ التَّمَتُّعِ وَأَسْبَابِهِ إِلَّا الْكَيْدَ لِلنَّاسِ وَمُحَاوَلَةَ الْإِيقَاعِ بِهِمْ، فَهُوَ يُفْسِدُ بِاعْتِدَائِهِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) بِمَا يَكُونُ مِنْ أَثَرِ إِفْسَادِهِ فِي اعْتِدَائِهِ، وَهُوَ ذَهَابُ ثَمَرَاتِ الْحَرْثِ: وَهُوَ الزَّرْعُ، وَالنَّسْلُ: وَهُوَ مَا تَنَاسَلَ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَكَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَكَاسِبِ أَهْلِ الْحَضَارَةِ وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَفِي هَذَا عِبْرَةٌ كُبْرَى لِلَّذِينَ يَقْطَعُونَ الزَّرْعَ وَيَقْتُلُونَ الْبَهَائِمَ بِالسُّمِّ وَغَيْرِهِ انْتِقَامًا مِمَّنْ يَكْرَهُونَهُمْ، وَهِيَ جَرَائِمُ فَاشِيَةٌ فِي أَرْيَافِ مِصْرَ لِهَذَا الْعَهْدِ، فَأَيْنَ الْإِسْلَامُ وَأَيْنَ هِدَايَةُ الْقُرْآنِ؟
وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْثِ هَهُنَا: النِّسَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) (2: 223) وَبِالنَّسْلِ: الْأَوْلَادُ، وَهَلِ الْمُرَادُ نِسَاءُ النَّاسِ وَأَوْلَادُهُمْ، أَمْ نِسَاءُ الْمُفْسِدِينَ وَأَوْلَادُهُمْ خَاصَّةً؟
لَعَلَّ الْأَمْرَ أَعَمُّ ; فَإِنَّ الْمُفْسِدِينَ الَّذِينَ يَطْمَحُونَ بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى نِسَاءِ النَّاسِ أَوْ يَسْعَوْنَ فِي إِفْسَادِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 198
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست