responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 191
وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَاسْتِمْدَادِ الْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ مِنْهُ، لِلْهِدَايَةِ إِلَى مَا يَعْجَزُ الْعَبْدُ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) بِقَوْلِهِ: أَيِ احْفَظْنَا مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالذُّنُوبِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَيْهَا، فَطَلَبُ الْحَيَاةِ الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا يَكُونُ بِالْأَخْذِ بِأَسْبَابِهَا الْمُجَرَّبَةِ فِي الْكَسْبِ وَالنِّظَامِ فِي الْمَعِيشَةِ، وَحُسْنِ مُعَاشَرَةِ النَّاسِ بِآدَابِ الشَّرِيعَةِ وَالْعُرْفِ، وَقَصْدِ الْخَيْرِ فِي الْأَعْمَالِ كُلِّهَا، وَتَوَقِّي الشُّرُورِ كُلِّهَا، وَطَلَبُ الْحَيَاةِ الْحَسَنَةِ فِي الْآخِرَةِ يَكُونُ بِالْإِيمَانِ الْخَالِصِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَطَلَبُ الْوِقَايَةِ مِنَ النَّارِ يَكُونُ بِتَرْكِ الْمَعَاصِي وَاجْتِنَابِ الرَّذَائِلِ وَالشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، مَعَ الْقِيَامِ بِالْفَرَائِضِ الْمُحَتَّمَةِ. هَذَا هُوَ الطَّلَبُ بِلِسَانِ الْقَلْبِ وَالْعَمَلِ، وَأَمَّا الطَّلَبُ بِلِسَانِ الْمَقَالِ فَهُوَ يَصْدُقُ بِمَا يُذَكِّرُ الْقَلْبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ مِنَ اللهِ، فَالسَّعْيُ لَهَا مَعَ الْإِيمَانِ هُوَ عَيْنُ الطَّلَبِ مِنْ فَيْضِهِ وَإِحْسَانِهِ، مَضَتْ سُنَّتُهُ بِأَنْ يُعْطِيَ بِهَا فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً، لَا بِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ الَّتِي لَا يَعْلَمُ مَحَلَّهَا وَحِكْمَتَهَا غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ لَا يُرْجَعُ إِلَى سِوَاهُ فِي الْهِدَايَةِ إِلَى مَا خَفِيَ وَالْمَعُونَةِ عَلَى مَا عَسُرَ.
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّقْسِيمِ مَنْ لَا يَطْلُبُ إِلَّا حَسَنَةَ الْآخِرَةِ ; لِأَنَّ التَّقْسِيمَ لِبَيَانِ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ بِحَسَبِ دَاعِي الْجِبِلَّةِ وَتَأْثِيرِ التَّرْبِيَةِ وَهَدْيِ الدِّينِ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي الْبَشَرِ مَنْ لَا تَتَوَجَّهُ نَفْسُهُ إِلَى حُسْنِ الْحَالِ فِي الدُّنْيَا مَهْمَا يَكُنْ غَالِبًا فِي الْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ ; لِأَنَّ الْإِحْسَاسَ بِالْجُوعِ وَالْبَرْدِ وَالتَّعَبِ يَحْمِلُهُ كَرْهَا عَلَى الْتِمَاسِ تَخْفِيفِ أَلَمِ ذَلِكَ الْإِحْسَاسِ، وَالشَّرْعُ يُكَلِّفُهُ ذَلِكَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَقَدْ جَعَلَ عَلَيْهِ حُقُوقًا لِبَدَنِهِ وَلِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَلِرَحِمِهِ وَلِزَائِرِيهِ وَإِخْوَانِهِ وَأُمَّتِهِ لَا تَصِحُّ عُبُودِيَّتُهُ إِلَّا بِدُعَاءِ اللهِ تَعَالَى فِيهَا.
وَفِي الْآيَةِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الْغُلُوَّ مَذْمُومٌ خَارِجٌ مِنْ سُنَنِ الْفِطْرَةِ وَصِرَاطِ الدِّينِ مَعًا، وَمَا نَهَى اللهُ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنِ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَذَمَّهُمْ عَلَى التَّشَدُّدِ فِيهِ إِلَّا عِبْرَةً لَنَا، وَقَدْ نَهَانَا عَنْهُ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ الْمَنْتُوفِ فَقَالَ لَهُ: ((هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللهَ بِشَيْءٍ؟)) قَالَ: نَعَمْ كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((سُبْحَانَ اللهِ إِذًا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ وَلَا
تَسْتَطِيعُهُ فَهَلَّا قُلْتَ: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) وَدَعَا لَهُ فَشَفَاهُ اللهُ تَعَالَى.
وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا فِي الْغُلُوِّ أَنَّ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ سَمِعَ قَارِئًا يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (3: 152) فَصَاحَ أَوَاهُ فَأَيْنَ مَنْ يُرِيدُ اللهَ؟ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنُ الظَّاهِرِ قَبِيحُ الْبَاطِنِ، فَالْآيَةُ خِطَابٌ لِخِيَارِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ وَشَيْخُهُ مِنِ الصُّوفِيَّةِ لَمْ يَبْلُغُوا مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ، فَإِرَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِالْحَقِّ إِرَادَةٌ لِمَرْضَاةِ اللهِ وَعَمَلٌ بِسُنَّتِهِ وَشَرْعِهِ، وَالْمُرَادُ بِالدُّنْيَا فِيهَا الْغَنِيمَةُ فِي الْحَرْبِ، وَبِالْآخِرَةِ الشَّهَادَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَهَلْ يَظُنُّ بِجَهْلِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 191
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست