responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 183
الْقَوْمِ فِي زَمَنِ التَّشْرِيعِ، فَأَمَّا الرَّفَثُ فَهُوَ كَمَا قِيلَ: الْجِمَاعُ، وَأَمَّا الْفُسُوقُ: فَهُوَ الْخُرُوجُ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ مُبَاحَةً فِي الْحِلِّ، كَالصَّيْدِ وَالطِّيبِ وَالزِّينَةِ بِاللِّبَاسِ الْمَخِيطِ، وَالْجِدَالُ: هُوَ مَا كَانَ يَجْرِي بَيْنَ الْقَبَائِلِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالتَّفَاخُرِ فِي الْمَوْسِمِ، فَبِهَذَا يَكُونُ التَّنَاسُبُ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ، وَإِلَّا حُمِلَتْ كُلُّهَا عَلَى مَدْلُولِهَا اللُّغَوِيِّ، فَجُعِلَ الرَّفَثُ قَوْلَ الْفُحْشِ، وَالْفُسُوقُ التَّنَابُزَ بِالْأَلْقَابِ عَلَى حَدِّ (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ) (49: 11) وَالْجِدَالُ الْمِرَاءُ وَالْخِصَامُ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَنَاهِي كُلُّهَا آدَابًا لِسَانِيَّةً.
وَالنُّكْتَةُ فِي مَنْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (عَلَى أَنَّهَا آدَابٌ لِسَانِيَّةٌ) تَعْظِيمُ شَأْنِ الْحَرَمِ وَتَغْلِيظُ
أَمْرِ الْإِثْمِ فِيهِ ; إِذِ الْأَعْمَالُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَلِلْمَلَأِ آدَابٌ غَيْرُ آدَابِ الْخَلْوَةِ مَعَ الْأَهْلِ، وَيُقَالُ فِي مَجْلِسِ الْإِخْوَانِ مَا لَا يُقَالُ فِي مَجْلِسِ السُّلْطَانِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ فِي أَوْقَاتِ الْعِبَادَةِ وَالْحُضُورِ مَعَ اللهِ تَعَالَى عَلَى أَكْمَلِ الْآدَابِ وَأَفْضَلِ الْأَحْوَالِ، وَنَاهِيكَ بِالْحُضُورِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي نَسَبَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فِي تَفْسِيرِ (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ) (2: 125) الْآيَاتِ.
وَأَمَّا السِّرُّ فِيهَا - عَلَى أَنَّهَا مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ - فَهُوَ أَنْ يَتَمَثَّلَ الْحَاجُّ أَنَّهُ بِزِيَارَتِهِ لِبَيْتِ اللهِ تَعَالَى مُقْبِلٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى قَاصِدٌ لَهُ، فَيَتَجَرَّدُ عَنْ عَادَاتِهِ وَنَعِيمِهِ، وَيَنْسَلِخُ مِنْ مَفَاخِرِهِ وَمُمَيِّزَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَبِحَيْثُ يُسَاوِي الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، وَيُمَاثِلُ الصُّعْلُوكُ الْأَمِيرَ، فَيَكُونُ النَّاسُ مِنْ جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ فِي زِيٍّ كَزِيِّ الْأَمْوَاتِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ تَصْفِيَةِ النَّفْسِ وَتَهْذِيبِهَا وَإِشْعَارِهَا مِنْ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ وَالْأُخُوَّةِ لِلنَّاسِ مَا لَا يُقَدَّرُ قَدْرَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْفَى أَمْرُهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ((مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) وَذَلِكَ أَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ وَالتَّقَلُّبَ فِي تِلْكَ الْمَنَاسِكِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ يَمْحُو مِنَ النُّفُوسِ آثَارَ الذُّنُوبِ وَظُلْمَتَهَا وَيُدْخِلُهَا فِي حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ، لَهَا فِيهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.
وَأَقُولُ: إِنَّ مِنْ بَلَاغَةِ الْإِيجَازِ فِي الْآيَةِ التَّصْرِيحُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ بِذِكْرِ الْحَجِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، الْمُرَادُ بِأَوَّلِهَا زَمَانُ الْحَجِّ كَقَوْلِهِمْ: الْبَرْدُ شَهْرَانِ، وَبِالثَّانِي الْحَجُّ نَفْسُهُ الْمُسَمَّى بِالنُّسُكِ، وَبِالثَّالِثِ مَا يَعُمُّ زَمَانَ أَدَائِهِ وَمَكَانَهُ وَهُوَ أَرْضُ الْحَرَمِ وَمَا يَتْبَعُهَا كَعَرَفَاتٍ، كَمَا تَعُمُّ الظَّرْفِيَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (22: 25) جَمِيعَ أَرْضِ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعًا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَضْرِبُ خِيَامَهُ خَارِجَ حُدُودِ الْحَرَمِ فَيَطُوفُ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْمَسْجِدِ وَيُصَلِّي ثُمَّ يَجِيءُ خِيَامَهُ فَيُبَيِّتُ فِيهَا، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يُهِينَ أَحَدَ خَدَمِهِ فَيَكُونُ مُلْحِدًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَجَمِيعُ أَمْكِنَةِ الْحَرَمِ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ وَمَشَاعِرِهِ وَحُرُمَاتِهِ الَّتِي يَجِبُ احْتِرَامُهَا، وَأَهَمُّهَا اجْتِنَابُ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ بِالْبَاطِلِ فِيهَا، إِلَّا أَنَّ الرَّفَثَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ مِنَ النُّسُكِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ قَبِيحًا.
وَلَوْ قَالَ: فَمَنْ فَرَضَهُ فِيهِنَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِيهِ، لَمْ يُؤَدِّ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلَّهَا.
وَمِنَ
الْقِرَاءَاتِ فِيهَا قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ ((رَفَثُ وَفُسُوقُ)) بِالرَّفْعِ ((وَجِدَالَ))

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 183
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست