responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 172
كَذَلِكَ. وَسَبِيلُ اللهِ هُوَ طَرِيقُ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ وَالدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ. ثُمَّ ذَكَرَ عِلَّةَ هَذَا الْأَمْرِ وَحِكْمَتَهُ عَلَى مَا هِيَ سُنَّتُهُ فِي ضِمْنِ حُكْمٍ آخَرَ. فَقَالَ: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) بِالْإِمْسَاكِ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي الِاسْتِعْدَادِ لِلْقِتَالِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُكُمْ وَيُمَكِّنُ الْأَعْدَاءَ مِنْ نَوَاصِيكُمْ فَتَهْلِكُونَ.
وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ التَّطَوُّعُ فِي الْحَرْبِ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِالطُّرُقِ الْحَرْبِيَّةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْعَدُوُّ، كَمَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مُخَاطَرَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ، بِأَنْ تَكُونَ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى لَا لِنَصْرِ الْحَقِّ وَتَأْيِيدِ حِزْبِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُ فِيهِ الْإِسْرَافُ الَّذِي يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا) (7: 31) .
وَفَسَّرَ (الْجَلَالُ) (سَبِيلِ اللهِ) بِطَاعَتِهِ: الْجِهَادُ وَغَيْرُهُ. وَ (التَّهْلُكَةِ) بِالْإِمْسَاكِ عَنِ النَّفَقَةِ وَتَرْكِ الْجِهَادِ. قَالَ: لِأَنَّهُ يُقَوِّي الْعَدُوَّ عَلَيْكُمْ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: أَصَابَ مُفَسِّرُنَا وَأَجَادَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَفْسِيرِ النَّهْيِ عَنِ التَّهْلُكَةِ ; أَيْ:
لَا تُقَاتِلُوا إِلَّا حَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّكُمُ النَّصْرُ وَعَدَمُ الْهَزِيمَةِ. وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ إِذْ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ مَا سَبَقَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَهَى عَنِ الْإِسْرَافِ، وَلَا يَلْتَئِمُ مَعَ الْأُسْلُوبِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْتَئِمُ وَيُنَاسِبُ هُوَ مَا قَالَهُ (الْجَلَالُ) وَآخَرُونَ، فَالْمَعْنَى: إِذَا لَمْ تَبْذُلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَتَأْيِيدِ دِينِهِ كُلَّ مَا تَسْتَطِيعُونَ مِنْ مَالٍ وَاسْتِعْدَادٍ فَقَدْ أَهْلَكْتُمْ أَنْفُسَكُمْ. وَفِي أَسْبَابِ النُّزُولِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللهُ الْإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا (وَأَنْفِقُوا) الْآيَةَ، فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الْإِقَامَةَ عَلَى الْأَمْوَالِ وَإِصْلَاحِهَا وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ - وَصَحَّحَهُ - وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَهُ لَمَّا خَاطَرَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَدَخَلَ فِي صَفِّ الرُّومِ فَقَالَ النَّاسُ: أَلْقَى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تُؤَوِّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَذَكَرَهُ.
أَقُولُ: وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا بِالْمِرْصَادِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ كَثِيرُونَ فَلَوِ انْصَرَفُوا عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ إِلَى تَثْمِيرِ الْأَمْوَالِ لَاغْتَالُوهُمْ، وَإِصْلَاحُ الْأَمْوَالِ وَاسْتِثْمَارُهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ هُوَ أَسَاسُ الْقُوَّةِ، فَقُوى الدُّوَلِ عَلَى قَدْرِ ثَرْوَتِهَا، فَالْأُمَّةُ الَّتِي تُقَصِّرُ فِي تَوْفِيرِ الثَّرْوَةِ هِيَ الَّتِي تُلْقِي بِأَيْدِيهَا إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَالَّتِي تُقَصِّرُ فِي الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ لِلِاسْتِعْدَادِ لِقِتَالِ مَنْ يَعْتَدِي عَلَيْهَا تَكُونُ أَدْنَى إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلَا ثَرْوَةَ مَعَ الظُّلْمِ، وَلَا عَدْلَ مَعَ الْحُكْمِ الْمُطْلَقِ الِاسْتِبْدَادِيِّ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) الْأَمْرُ بِالْإِحْسَانِ عَلَى عُمُومِهِ ; أَيْ: أَحْسِنُوا كُلَّ أَعْمَالِكُمْ وَأَتْقِنُوهَا فَلَا تُهْمِلُوا إِتْقَانَ شَيْءٍ مِنْهَا، وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّطَوُّعُ بِالْإِنْفَاقِ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ (التَّوْبَةِ) الَّتِي يُسَمُّونَهَا آيَةَ السَّيْفِ. وَهَاكَ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: مُحَصِّلُ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ يَنْطَبِقُ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ سَبَبِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 172
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست