responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 164
التَّكْوِينِ وَالْإِيجَادِ الْأَوَّلِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِسِرِّ الْقَدَرِ. يُمْكِنُ لِلنَّبَاتِيِّ أَنْ يَعْرِفَ مَا يَتَكَوَّنُ مِنْهُ النَّبَاتُ وَكَيْفَ يَنْبُتُ وَيَنْمُو وَيَتَغَذَّى، وَلِلطَّبِيبِ أَنْ يَعْرِفَ كَيْفِيَّةَ تَوَلُّدِ الْحَيَوَانِ وَالْأَطْوَارِ الَّتِي يَتَدَرَّجُ فِيهَا مُنْذُ يَكُونُ نُطْفَةً إِلَى أَنْ يَكُونَ إِنْسَانًا مُسْتَقِلًّا عَاقِلًا، وَلَكِنْ لَا يَعْرِفُ نَبَاتِيٌّ وَلَا طَبِيبٌ كَيْفَ وُجِدَتْ أَنْوَاعُ النَّبَاتِ وَأَنْوَاعُ الْحَيَوَانِ أَوْ مَادَّتُهُمَا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، وَلَا كَيْفَ وُجِدَ غَيْرُهُمَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. وَمِنْ هُنَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الْعِلَاقَةَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ - جِهَةِ الْإِيجَادِ وَالْخَلْقِ - لَا يُمْكِنُ اكْتِنَاهُهَا، وَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ اكْتِنَاهُ ذَاتِ اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَتَيَسَّرُ لِلنَّاسِ أَنْ يَعْرِفُوهُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْبَحْثِ كَالْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ وَالزِّرَاعِيَّةِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْهَيْئَةِ الْفَلَكِيَّةِ، وَمِنْهَا أَسْبَابُ أَطْوَارِ الْهِلَالِ، وَتَنَقُّلِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، أَيِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (36: 39) .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا يَجِبُ عَلَيْنَا لِلْخَالِقِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَوْدَعَ فِي فِطَرِنَا الشُّعُورَ بِسُلْطَانِهِ، وَهَدَى عُقُولَنَا إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ بِمَا نَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِنَا ; فَإِنَّ هَذَا الشُّعُورَ وَهَذِهِ الْهِدَايَةَ مُبْهَمَانِ لَا سَبِيلَ لَنَا إِلَى تَحْدِيدِهِمَا مِنْ حَيْثُ مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فِي اللهِ تَعَالَى وَفِي حِكْمَةِ خَلْقِنَا، وَمُرَادُهُ مِنَّا، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ مَصِيرِنَا، وَمِنْ حَيْثُ مَا يَجِبُ لَهُ مِنَ الشُّكْرِ وَالْعِبَادَةِ.
وَهَذَا مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ بِطَرِيقٍ
صِنَاعِيٍّ أَوْ كَسْبٍ بَشَرِيٍّ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْأُمَمُ فِي الْحَيْرَةِ وَالْخَطَأِ فِي مَسَائِلِهِ لِجَهْلِهِمْ بِالصِّلَةِ وَالنِّسْبَةِ بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ وَصَفَهُ تَعَالَى بِمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ أَعْمَالَنَا تُفِيدُهُ أَوْ تُؤْلِمُهُ، وَأَنَّهُ يُنْعِمُ عَلَيْنَا أَوْ يَنْتَقِمُ مِنَّا بِالْمَصَائِبِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الْحَيَاةَ الْأُخْرَى تَكُونُ بِهَذِهِ الْأَجْسَادِ وَالْجَزَاءَ فِيهَا يَكُونُ بِهَذَا الْمَتَاعِ، فَاخْتَرَعُوا الْأَدْوِيَةَ لِحِفْظِ أَجْسَادِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ. وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ عَاجِزًا عَنْ تَحْدِيدِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَبِالْحَيَاةِ الْأُخْرَى، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ الْأُولَى شُكْرًا لِلَّهِ وَاسْتِعْدَادًا لِتِلْكَ الْحَيَاةِ ; لِأَنَّ الْحَوَاسَّ وَالْعَقْلَ لَا يُدْرِكَانِ ذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى عَقْلٍ آخَرَ يُدْرِكُ بِهِ مَا يَعُوزُ أَفْرَادُهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهَذَا الْعَقْلُ هُوَ النَّبِيُّ الْمُرْسَلُ.
وَبَقِيَ (قِسْمٌ خَاصٌّ) وَهُوَ مَا يَسْتَطِيعُ الْعَقْلُ الْبَشَرِيُّ إِدْرَاكَ الْفَائِدَةِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ عُرْضَةٌ لِلْخَطَأِ فِيهِ دَائِمًا لِمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ الَّتِي تُلْقِي الْغِشَاوَةَ عَلَى الْأَبْصَارِ وَالْبَصَائِرِ، فَتَحُولَ دُونَ الْوُصُولِ إِلَى الْحَقِيقَةِ، أَوْ تُشَبِّهُ النَّافِعَ بِالضَّارِّ وَتَلْبِسُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ. مِثَالٌ ذَلِكَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 164
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست