responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 142
عَلَيْهِ سُنَّةُ الْكِتَابِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى اسْتِهْجَانِهِ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ وَإِنْ حَلَّ فَهُوَ مِنَ الْحَلَالِ الْمَكْرُوهِ عَلَى الْجُمْلَةِ. وَقَوْلُهُ: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) قَوْلٌ مُسْتَأْنَفٌ سِيقَ لِبَيَانِ سَبَبِ الْحُكْمِ ; أَيْ: إِذَا كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ هَذِهِ الْمُلَابَسَةُ وَالْمُخَالَطَةُ، فَإِنَّ اجْتِنَابَهُنَّ عُسْرٌ عَلَيْكُمْ، فَلِهَذَا رَخَّصَ لَكُمْ فِي مُبَاشَرَتِهِنَّ لَيْلَةَ الصِّيَامِ. قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ، وَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، فَهُوَ يَرَى أَنَّ لَفْظَ (لِبَاسٌ) هُنَا مَصْدَرٌ ((لَابَسَهُ)) بِمَعْنَى: خَالَطَهُ وَعَرَفَ دَخَائِلَهُ، لَا بِمَعْنَى مَا وَرَدَ مِنْ إِطْلَاقِ اللِّبَاسِ وَالْإِزَارِ عَلَى الْمَرْأَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ هُنَّ سَكَنَ لَكُمْ وَأَنْتُمْ سَكَنَ لَهُنَّ. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُعَانَقَةِ، وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بُقُولِ الذُّبْيَانِيِّ:
إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهَا تَثَنَّتْ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِبَاسًا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ السَّتْرِ الْمَقْصُودِ مِنَ اللِّبَاسِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الزَّوْجَيْنِ سَتْرٌ لِلْآخَرِ وَإِحْصَانٌ لَهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْغَشَيَانِ وَالتَّغَشِّي مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ عَنْ وَظِيفَةِ الزَّوْجِيَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ) أَيْ: تَنْتَقِصُونَهَا بَعْضَ مَا أَحَلَّ اللهُ لَهَا مِنَ اللَّذَّاتِ تَوَهُّمًا أَنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ كَانَ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّخَوُّنِ أَيِ النَّقْصِ مِنَ الشَّيْءِ، أَوْ مَعْنَاهُ تَخُونُونَ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تَعْتَقِدُونَ شَيْئًا ثُمَّ لَا تَلْتَزِمُونَ الْعَمَلَ بِهِ فَهُوَ مُبَالَغَةٌ مِنَ الْخِيَانَةِ، الَّتِي هِيَ مُخَالَفَةُ مُقْتَضَى الْأَمَانَةِ، وَلَمْ يَقُلْ تَخْتَانُونَ اللهَ، كَمَا قَالَ: (لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) (8: 72) لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ مَا حَرَّمَهُ عَلَى الصَّائِمِ فِي النَّهَارِ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ بِهِمُ اجْتِهَادُهُمْ إِلَى ذَلِكَ فَهُمْ قَدْ خَانُوا أَنْفُسَهُمْ فِي اعْتِقَادِهَا، فَكَانُوا كَمَنْ يَتَغَشَّى امْرَأَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ،
فَعِصْيَانُهُ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ، فَهُمْ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا عَاصِينَ بِمَا فَعَلُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْعَفْوِ وَلِذَلِكَ قَالَ: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ) فَإِنْ كَانَ ذَنْبُهُمْ تَحْرِيمَ مَا أَبَاحَ اللهُ لَهُمْ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ أَوِ التَّوَرُّعِ عَنْهُ لِيُوَافِقَ صِيَامُهُمْ صِيَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَتُفَسَّرُ التَّوْبَةُ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ بِبَيَانِ الرُّخْصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ فَرْضِ الصِّيَامِ مُجْمَلًا، وَالتَّشْبِيهُ فِيهِ مُبْهَمًا، وَيَكُونُ الْعَفْوُ عَنِ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ الَّذِي أَدَّى إِلَى التَّضْيِيقِ عَلَى النَّفْسِ وَإِيقَاعِهَا فِي الْحَرَجِ، وَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ هُوَ مُخَالَفَةُ الِاعْتِقَادِ بِأَنْ كَانُوا فَهِمُوا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) تَحْرِيمُ مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ لَيْلًا مُطْلَقًا أَوْ تَحْرِيمُهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بَعْدَ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ، فَالتَّوْبَةُ عَلَى ظَاهِرِ مَعْنَاهَا ; أَيْ إِنَّ اللهَ قَبْلَ تَوْبَتِكُمْ، وَعَفَا عَنْ خِيَانَتِكُمْ أَنْفُسِكُمْ (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) الْمُبَاشِرَةُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْمُبَاضَعَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَحَقِيقَتُهَا: مَسُّ كُلٍّ بَشَرَةَ الْآخَرِ ; أَيْ: ظَاهَرَ جِلْدِهِ، فَهِيَ كَالْمُلَامَسَةِ فِي حَقِيقَتِهَا وَكِنَايَتِهَا وَهِيَ مِنْ نَزَاهَةِ الْقُرْآنِ، وَالْمَعْنَى فَالْآنَ بَاشَرُوهُنَّ ; إِذْ أُحِلَّ لَكُمُ الرَّفَثُ إِلَيْهِنَّ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ النَّافِي لِمَا فَهِمْتُمْ مِنَ الْإِجْمَالِ فِي كِتَابَةِ الصِّيَامِ عَلَيْكُمْ، فَالْأَمْرُ بِالْمُبَاشِرَةِ لِلْإِبَاحَةِ النَّاسِخَةِ أَوِ النَّافِيَةِ لِذَلِكَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست