responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 135
بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَرِيبٌ مِنْهُمْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حِجَابٌ وَلَا وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ يُبَلِّغُهُ دُعَاءَهُمْ وَعِبَادَتَهُمْ، أَوْ يُشَارِكُهُ فِي إِجَابَتِهِمْ أَوْ إِثَابَتِهِمْ، لِيَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ وَحْدَهُ حُنَفَاءَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي وَجْهِ الِاتِّصَالِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُمْ بِصَوْمِ الشَّهْرِ وَمُرَاعَاةِ الْعِدَّةِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ التَّكْبِيرِ وَالشُّكْرِ، عَقَّبَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ خَبِيرٌ بِأَحْوَالِهِمْ، سَمِيعٌ لِأَقْوَالِهِمْ مُجِيبٌ لِدُعَائِهِمْ، مُجَازٍ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، تَأْكِيدًا لَهُ وَحَثًّا عَلَيْهِ اهـ.
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْعَمَلِيَّةَ إِنَّمَا تُشْرَعُ لِتَقْوِيَةِ الْإِيمَانِ وَإِصْلَاحِ النَّفْسِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ أَنْ يُبَيِّنَ مَعَ كُلِّ حُكْمٍ حِكْمَةَ تَشْرِيعِهِ وَفَائِدَتَهِ فِي تَقْوِيَةِ الْإِيمَانِ، وَيَمْزُجُ الْكَلَامَ فِيهِ بِمَا يُذَكِّرُ بِعَظَمَةِ اللهِ تَعَالَى، وَيُعِينُ عَلَى مُرَاقَبَتِهِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ وَيُثْبِتُ الْإِيمَانَ بِهِ كَهَذِهِ الْآيَةِ. وَيَا لَيْتَ فُقَهَاءَنَا اقْتَدَوْا بِهَدْيِ الْقُرْآنِ
فَلَمْ يَجْعَلُوا كُتُبَ الْأَحْكَامِ جَافَّةً مَقْصُورَةً عَلَى ذِكْرِ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ، كَأَنَّ الدِّينَ دِينٌ مَادِّيٌّ جُسْمَانِيٌّ لَا غَرَضَ لِلْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ فِيهِ.
وَأَمَّا مَعْنَى قُرْبِ اللهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالُوا: إِنَّهُ الْقُرْبُ بِالْعِلْمِ، بِمَعْنَى أَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَهُوَ يَسْمَعُ أَقْوَالَ الْعِبَادِ وَيَرَى أَعْمَالَهُمْ. وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ: وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِكَمَالِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَقْوَالِهِمْ، وَاطِّلَاعِهِ عَلَى أَحْوَالِهِمْ بِحَالِ مَنْ قَرُبَ مَكَانُهُ مِنْهُمْ. اهـ. وَإِنَّمَا جَعَلُوا الْكَلَامَ تَمْثِيلًا ; لِأَنَّ الْقُرْبَ وَالْبُعْدَ الْحَقِيقِيَّ إِنَّمَا يَكُونَانِ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الِانْحِصَارِ فِي الْمَكَانِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرْبِ الْوُجُودِ، فَإِنَّ الَّذِي لَا يَتَحَيَّزُ وَلَا يَتَحَدَّدُ تَكُونُ نِسَبُ الْأَمْكِنَةِ وَمَا فِيهَا إِلَيْهِ وَاحِدَةً، فَهُوَ تَعَالَى قَرِيبٌ بِذَاتِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِذْ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ إِيجَادًا وَإِمْدَادًا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنَ الْحَقَائِقِ الْعَالِيَةِ وَعَلَيْهِ السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ ; فَقَدْ قَالَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) (56: 85) أَيْ: إِذَا بَلَغَتْ رُوحُهُ الْحُلْقُومَ: إِنَّهُ الْقُرْبُ بِالْعِلْمِ، وَكَانَ أَحَدُ كِبَارِ الصُّوفِيَّةِ حَاضِرًا فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَقَالَ تَعَالَى فِي تَتِمَّةِ الْآيَةِ: وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْفِ الْعِلْمَ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا قَالَ: (وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) (56: 85) وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعِلْمِ أَنْ يُبْصَرَ فَيَنْفِي هُنَا إِبْصَارَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَأْنُ الذَّاتِ. انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَهُوَ مَذْكُورٌ بِنَصِّهِ فِي كِتَابِ ((الْيَوَاقِيتِ وَالْجَوَاهِرِ)) لِلشَّعْرَانِيِّ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَازِمُ الْقُرْبِ مَقْصُودٌ، وَهُوَ عَدَمُ الْحَاجَةِ إِلَى رَفْعِ الصَّوْتِ وَلَا إِلَى الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ فِي الدُّعَاءِ وَطَلَبِ الْحَاجَاتِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ فِي التَّوَسُّلِ بِالشُّفَعَاءِ وَالْوُسَطَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، كَأَنَّهُ قَالَ: فَأَخْبِرْهُمْ بِأَنَّنِي قَرِيبٌ مِنْهُمْ وَأَنَّنِي أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (أَيْ كَمَا فِي سُورَةِ ق) .
هَذَا مَا كَتَبْتُهُ مِنَ التَّعْلِيقِ عَلَى كَلِمَةِ شَيْخِنَا فِي قُرْبِ الْوُجُودِ، وَطُبِعَ أَوَّلًا وَاطَّلَعَ هُوَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ إِخْوَانِنَا السَّلَفِيِّينَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ السَّلَفِ ; فَإِنَّهُمْ يَتَأَوَّلُونَ أَوْ يُفَسِّرُونَ الْقُرْبَ بِالْعِلْمِ كَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَوْقَ عِبَادِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، وَعِبَارَةُ الْأُسْتَاذِ عَلَى إِجْمَالِهَا أَقْرَبُ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ مِنْ تَأْوِيلِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 135
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست