responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 119
هَذَا مَا كَتَبْتُهُ وَنُشِرَ فِي الطَّبْعَةِ الْأُولَى وَرَآهُ شَيْخُنَا ثُمَّ بَدَا لِي فِيهِ ; فَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)) وَالْوِجَاءُ - بِالْكَسْرِ - رَضُّ الْأُنْثَيَيْنِ وَهُوَ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ الزَّوْجِيَّةَ إِنْ لَمْ يَذْهَبْ بِهَا كَالْخِصَاءِ، وَالصِّيَامُ يُضْعِفُ هَذِهِ الشَّهْوَةَ إِذَا طَالَ وَاقْتَصَرَ الصَّائِمُ فِي اللَّيْلِ عَلَى قَلِيلٍ مِنَ الطَّعَامِ، قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ - وَاسْتُشْكِلَ - بِأَنَّ الصَّوْمَ يَزِيدُ فِي تَهْيِيجِ الْحَرَارَةِ وَذَلِكَ مِمَّا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ، لَكِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي مَبْدَأِ الْأَمْرِ، فَإِذَا تَمَادَى عَلَيْهِ وَاعْتَادَهُ سَكَنَ ذَلِكَ وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ.
وَمِنْ وُجُوهِ إِعْدَادِ الصَّوْمِ لِلتَّقْوَى أَنَّ الصَّائِمَ عِنْدَمَا يَجُوعُ يَتَذَكَّرُ مَنْ لَا يَجِدُ قُوتًا فَيَحْمِلُهُ التَّذَكُّرُ عَلَى الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ الدَّاعِيَتَيْنِ إِلَى الْبَذْلِ وَالصَّدَقَةِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِأَنَّهُ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، وَيَرْتَضِي لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَا ارْتَضَاهُ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; وَلِذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِالتَّأَسِّي بِهِ وَوَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (48: 29) . وَمِنْ فَوَائِدِ عِبَادَةِ الصِّيَامِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ
وَالْمُلُوكِ وَالسُّوقَةِ، وَمِنْهَا تَعْلِيمُ الْأُمَّةِ النِّظَامَ فِي الْمَعِيشَةِ، فَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ يُفْطِرُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَى آخَرَ دَقِيقَةً وَاحِدَةً وَقَلَّمَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ دَقِيقَةً وَاحِدَةً.
وَمِنْ فَوَائِدِهِ الصِّحِّيَّةِ أَنَّهُ يُفْنِي الْمَوَادَّ الرَّاسِبَةَ فِي الْبَدَنِ وَلَا سِيَّمَا أَبْدَانِ الْمُتْرَفِينَ أُولِي النَّهَمِ وَقَلِيلِي الْعَمَلِ، وَيُجَفِّفُ الرُّطُوبَاتِ الضَّارَّةَ، وَيُطَهِّرُ الْأَمْعَاءَ مِنْ فَسَادِ الذِّرْبِ وَالسُّمُومِ الَّتِي تُحْدِثُهَا الْبِطْنَةُ، وَيُذِيبُ الشَّحْمَ أَوْ يَحُولُ دُونَ كَثْرَتِهِ فِي الْجَوْفِ وَهِيَ شَدِيدَةُ الْخَطَرِ عَلَى الْقَلْبِ، فَهُوَ كَتَضْمِيرِ الْخَيْلِ الَّذِي يَزِيدُهَا قُوَّةً عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((صُومُوا تَصِحُّوا)) رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِلَى حُسْنِهِ وَيُؤَيِّدُهُ ((اغْزُوا تَغْتَنِمُوا وَصُومُوا تَصِحُّوا وَسَافِرُوا تَسْتَغْنُوا)) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَطِبَّاءِ الْإِفْرِنْجِ: إِنَّ صِيَامَ شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ يَذْهَبُ بِالْفَضَلَاتِ الْمَيِّتَةِ فِي الْبَدَنِ مُدَّةَ سَنَةٍ.
وَأَعْظَمُ فَوَائِدِهِ كُلِّهَا الْفَائِدَةُ الرُّوحِيَّةُ التَّعَبُّدِيَّةُ الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ، وَهِيَ أَنْ يَصُومَ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ الْمُلَاحَظُ فِي النِّيَّةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَمَنْ صَامَ لِأَجْلِ الصِّحَّةِ فَقَطْ فَهُوَ غَيْرُ عَابِدٍ لِلَّهِ فِي صِيَامِهِ، فَإِذَا نَوَى الصِّحَّةَ مَعَ التَّعَبُّدِ كَانَ مُثَابًا كَمَنْ يَنْوِي التِّجَارَةَ مَعَ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَوْلَا الْعِبَادَةُ لَاكْتَفَى بِالْجُوعِ وَالْحَمِيَّةِ، وَآيَةُ الصِّيَامِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَالْمُلَاحَظَةِ التَّحَلِّي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ أَحَاسِنِ الصِّفَاتِ وَالْخِلَالِ، وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ: لَا أَشُكُّ فِي أَنَّ مَنْ يَصُومُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ رَاضِيًا مَرْضِيًّا، مُطَمْئِنًا بِحَيْثُ لَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ اضْطِرَابًا وَلَا انْزِعَاجًا. نَعَمْ ; رُبَّمَا يُوجَدُ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْفُتُورِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست