responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 117
لِلْأَجْرِ عِنْدَهُ، فَتَتَرَبَّى بِذَلِكَ إِرَادَتُهُ عَلَى مَلَكَةِ تَرْكِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالصَّبْرِ عَنْهَا فَيَكُونُ اجْتِنَابُهَا أَيْسَرَ عَلَيْهِ، وَتَقْوَى عَلَى النُّهُوضِ بِالطَّاعَاتِ وَالْمَصَالِحِ وَالِاصْطِبَارِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الثَّبَاتُ عَلَيْهَا أَهْوَنَ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الصِّيَامُ نِصْفُ الصَّبْرِ)) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَهَذَا مَعْنَى دَلَالَةِ ((لَعَلَّ)) عَلَى التَّرَجِّي ; فَالرَّجَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا وَقَعَتْ أَسْبَابُهُ، وَمَوْضِعُهُ هُنَا الْمُخَاطَبُونَ لَا الْمُتَكَلِّمُ، وَمَنْ لَمْ يَصُمْ بِالنِّيَّةِ وَقَصْدِ الْقُرْبَةِ لَا تُرَجَّى لَهُ هَذِهِ الْمَلَكَةُ فِي التَّقْوَى. فَلَيْسَ الصِّيَامُ فِي الْإِسْلَامِ لِتَعْذِيبِ النَّفْسِ لِذَاتِهِ بَلْ لِتَرْبِيَتِهَا وَتَزْكِيَتِهَا.
قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّ الْوَثَنِيِّينَ كَانُوا يَصُومُونَ لِتَسْكِينِ غَضَبِ آلِهَتِهِمْ إِذَا عَمِلُوا مَا يُغْضِبُهَا، أَوْ لِإِرْضَائِهَا وَاسْتِمَالَتِهَا إِلَى مُسَاعَدَتِهِمْ فِي بَعْضِ الشُّئُونِ وَالْأَغْرَاضِ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ إِرْضَاءَ الْآلِهَةِ وَالتَّزَلُّفَ إِلَيْهَا يَكُونُ بِتَعْذِيبِ النَّفْسِ وَإِمَاتَةِ حُظُوظِ الْجَسَدِ، وَانْتَشَرَ هَذَا الِاعْتِقَادُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ يُعَلِّمُنَا أَنَّ الصَّوْمَ وَنَحْوَهُ إِنَّمَا فُرِضَ ; لِأَنَّهُ يُعِدُّنَا لِلسَّعَادَةِ بِالتَّقْوَى، وَأَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنَّا وَعَنْ عَمَلِنَا، وَمَا كَتَبَ عَلَيْنَا الصِّيَامَ إِلَّا لِمَنْفَعَتِنَا.
(ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ مَبْسُوطًا) قُلْنَا: إِنَّ مَعْنَى ((لَعَلَّ)) الْإِعْدَادُ وَالتَّهْيِئَةُ، وَإِعْدَادُ الصِّيَامِ نُفُوسَ الصَّائِمِينَ لِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى يَظْهَرُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَعْظَمُهَا شَأْنًا، وَأَنْصَعُهَا بُرْهَانًا وَأَظْهَرُهَا أَثَرًا، وَأَعْلَاهَا خَطَرًا - شَرَفًا - أَنَّهُ أَمْرٌ مَوْكُولٌ إِلَى نَفْسِ الصَّائِمِ لَا رَقِيبَ عَلَيْهِ فِيهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، وَسِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يُشْرِفُ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ، فَإِذَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ شَهَوَاتِهِ وَلَذَّاتِهِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُ فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ لِمُجَرَّدِ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ رَبِّهِ وَالْخُضُوعِ لِإِرْشَادِ دِينِهِ مُدَّةَ شَهْرٍ كَامِلٍ فِي السَّنَةِ، مُلَاحِظًا عِنْدَ عُرُوضِ كُلِّ رَغِيبَةٍ لَهُ - مِنْ أَكْلِ نَفِيسٍ، وَشَرَابٍ عَذْبٍ، وَفَاكِهَةٍ يَانِعَةٍ، وَغَيْرٍ ذَلِكَ كَزِينَةِ زَوْجَةٍ أَوْ جَمَالِهَا الدَّاعِي إِلَى مُلَابَسَتِهَا - أَنَّهُ لَوْلَا اطِّلَاعُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَمُرَاقَبَتُهُ لَهُ لَمَا صَبَرَ عَنْ تَنَاوُلِهَا وَهُوَ فِي أَشَدِّ التَّوْقِ لَهَا، لَا جَرَمَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ تَكْرَارِ هَذِهِ الْمُلَاحَظَةِ
الْمُصَاحِبَةِ لِلْعَمَلِ مَلَكَةُ الْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْحَيَاءِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَرَاهُ حَيْثُ نَهَاهُ، وَفِي هَذِهِ الْمُرَاقَبَةِ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي تَعْظِيمِهِ وَتَقْدِيسِهِ أَكْبَرُ مُعِدِّ لِلنُّفُوسِ وَمُؤَهِّلٍ لَهَا لِضَبْطِ النَّفْسِ وَنَزَاهَتِهَا فِي الدُّنْيَا، وَلِسَعَادَتِهَا فِي الْآخِرَةِ.
وَكَمَا تُؤَهِّلُ هَذِهِ الْمُرَاقَبَةُ النُّفُوسَ الْمُتَحَلِّيَةَ بِهَا لِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ تُؤَهِّلُهَا لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا أَيْضًا، انْظُرْ هَلْ يُقْدِمُ مَنْ تُلَابِسُ هَذِهِ الْمُرَاقَبَةُ قَلْبَهُ عَلَى غِشِّ النَّاسِ وَمُخَادَعَتِهِمْ؟ هَلْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَرَاهُ اللهُ آكِلًا لِأَمْوَالِهِمْ بِالْبَاطِلِ؟ هَلْ يَحْتَالُ عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي مَنْعِ الزَّكَاةِ وَهَدْمِ هَذَا الرُّكْنِ الرَّكِينِ مِنْ أَرْكَانِ دِينِهِ؟ هَلْ يَحْتَالُ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا؟ هَلْ يَقْتَرِفُ الْمُنْكَرَاتِ جِهَارًا؟ هَلْ يَجْتَرِحُ السَّيِّئَاتِ وَيَسْدُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ سِتَارًا؟ كَلَّا. إِنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْمُرَاقَبَةِ لَا يَسْتَرْسِلُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 117
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست