responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 8
مَحْرُومُونَ مِنْ وَسَائِلِ الْعُلُومِ الْكَسْبِيَّةِ، وَالْآدَابِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ (الثَّانِي) أَنَّهُمْ أَجْدَرُ: أَيْ أَحَقُّ وَأَخْلَقُ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ بِأَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فِي كِتَابِهِ وَمَا آتَاهُ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي بَيَّنَ بِهَا تِلْكَ الْحُدُودَ بِسُنَنِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَفَهْمُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ اللُّغَوِيَّةِ لَا يَكْفِي فِي عِلْمِ حُدُودِهِ الْعَمَلِيَّةِ. كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى يَتَلَقَّوْنَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ مَا يَنْزِلُ مِنَ الْقُرْآنِ وَقْتَ نُزُولِهِ، وَيَشْهَدُونَ سُنَّتَهُ فِي الْعَمَلِ بِهِ، وَكَانَ يُرْسِلُ الْعُمَّالَ إِلَى الْبِلَادِ الْمَفْتُوحَةِ يُقِيمُونَ فِيهَا وَيُبَلِّغُونَ الْقُرْآنَ، وَيَحْكُمُونَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ وَبِالسُّنَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ فَيَعْرِفُ أَهْلُهَا تِلْكَ الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا اللهُ تَعَالَى وَنَهَاهُمْ أَنْ يَعْتَدُّوهَا. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا كُلُّهُ مَيْسُورًا لِأَهْلِ الْبَوَادِي، وَهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْهِجْرَةِ ; لِأَجْلِ الْعِلْمِ وَالنُّصْرَةِ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ عِلْمٍ وَحَضَارَةٍ.
فَالْأَعْرَابُ أَجْدَرُ بِالْجَهْلِ مِنَ الْحَضَرِ بِطَبِيعَةِ الْبَدَاوَةِ لَا بِضَعْفِ أَفْهَامِهِمْ، أَوْ بَلَادَةِ أَذْهَانِهِمْ أَوْ ضِيقِ نِطَاقِ بَيَانِهِمْ، فَقَدْ كَانُوا مَضْرِبَ الْأَمْثَالِ فِي قُوَّةِ الْجَنَانِ، وَلَوْذَعِيَّةِ الْأَذْهَانِ، وَذَرَابَةِ اللِّسَانِ وَسَعَةِ بَيْدَاءِ الْبَيَانِ، وَعَنْهُمْ أَخَذَ رُوَاةُ الْعَرَبِيَّةِ أَكْثَرَ مُفْرَدَاتِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا.
وَالْجَدَارَةُ بِالشَّيْءِ قَدْ تَكُونُ طَبْعِيَّةً، وَقَدْ تَكُونُ بِأَسْبَابٍ كَسْبِيَّةٍ، مِنْ فَنِّيَّةٍ
وَشَرْعِيَّةٍ وَأَدَبِيَّةٍ، وَقَدْ تَكُونُ بِأَسْبَابٍ سَلْبِيَّةٍ اقْتَضَتْهَا حَالَةُ الْمَعِيشَةِ وَالْبِيئَةِ، قِيلَ: إِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجِدَارِ وَهُوَ الْحَائِطُ الَّذِي يَكُونُ حَدًّا لِلْبُسْتَانِ أَوِ الدَّارِ، وَقِيلَ: مِنْ جُدُرِ الشَّجَرَةِ، وَيُرَادِفُ الْجَدِيرُ بِالشَّيْءِ وَالْأَجْدَرُ، الْحَقِيقَ وَالْأَحَقَّ، وَالْخَلِيقَ وَالْأَخْلَقَ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ أَفْعَلُ فِي كُلٍّ مِنْهَا لِلتَّفْضِيلِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ غَالِبًا كَحَدِيثِ ((وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) وَمَعَ تَرْكِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ أَحْيَانًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (9: 72) .
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وَاسِعُ الْعِلْمِ بِأُمُورِ عِبَادِهِ وَصِفَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمُ الظَّاهِرَةِ مِنْ بَدَاوَةٍ وَحَضَارَةٍ وَعِلْمٍ وَجَهْلٍ، وَالْبَاطِنَةِ مِنْ إِيمَانٍ وَكُفْرٍ، وَإِخْلَاصٍ وَنِفَاقٍ تَامِّ الْحِكْمَةِ فِيمَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَمَا يَشْرَعُهُ لَهُمْ وَمَا يَجْزِيهِمْ بِهِ، مِنْ نَعِيمٍ مُقِيمٍ، أَوْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.
رَوَى أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. مَا عَدَا ابْنَ مَاجَهْ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّعْبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ ((مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ)) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ((مَنْ بَدَا جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ، وَمَا ازْدَادَ أَحَدٌ مِنْ سُلْطَانِهِ قُرْبًا إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللهِ بُعْدًا)) وَسَبَبُ الْأَخِيرِ أَنَّ السَّلَاطِينَ قَلَّمَا يَرْضَوْنَ عَمَّنْ يَلْتَزَمُ الْحَقَّ وَالصِّدْقَ وَالنُّصْحَ الصَّرِيحَ، وَقَلَّمَا يَأْتِيهِمْ وَيَزْدَادُ قُرْبًا مِنْهُمْ إِلَّا الَّذِي يَمْدَحُهُمْ بِالْبَاطِلِ وَيُعِينُهُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَلَوْ بِالتَّأَوُّلِ لَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْمَعْنَى فِي تَفْسِيرِ (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) (61) .
(وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا) تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ (90) أَنَّ بَعْضَ الْأَعْرَابِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 8
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست