responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 70
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْيَقِينَ فِي الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ لَهُ دَرَجَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالْيَقِينُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْإِيمَانُ هُوَ الْيَقِينُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ فِي غَيْرِ الْحِسِّيَّاتِ وَالضَّرُورِيَّاتِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوَاضِعَ أَوَّلُهَا تَفْسِيرُ (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (2: 4) وَهُوَ دَرَجَاتٌ: مِنْهَا التَّقْلِيدُ الْجَازِمُ، وَمِنْهَا الْمَعْلُومُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ. وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِمَا الشَّكُّ وَالزَّوَالُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا تُصُوِّرَ ارْتِدَادُ مُؤْمِنٍ عَنْ دِينِهِ، وَمِنْهَا مَا يَصِيرُ وِجْدَانًا ضَرُورِيًّا بِشَرْحِ الصَّدْرِ، وَالنُّورِ الْإِلَهِيِّ، بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ وَالْعِبَادَةِ.
وَأَمَّا الْيَقِينُ الْمَنْطِقِيُّ وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ بِالْبُرْهَانِ بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ كَذَا مَعَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ كَذَا، فَهُوَ هُوَ الَّذِي قَالُوا: إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، وَلَكِنَّهُ نَادِرُ الْوُقُوعِ فِي غَيْرِ الضَّرُورِيَّاتِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْإِيمَانِ، وَمَعَ هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ قَابِلٌ لِلزِّيَادَةِ فِي وَصْفِهِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِهِ، وَفِي تَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ.
وَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ تَرَى شَبَحًا فِي سُدْفَةِ الْفَجْرِ فَتَعْلَمَ أَنَّهُ إِنْسَانٌ فِي انْتِصَابِ قَامَتِهِ ثُمَّ
تَزْدَادُ عِلْمًا بِهِ كُلَّمَا انْتَشَرَ الضِّيَاءُ حَتَّى يَكُونَ الْعِلْمُ بِهِ تَفْصِيلِيًّا. وَالْبُرْهَانُ الْمَنْطِقِيُّ الْمُفِيدُ لِهَذَا الْيَقِينِ عِنْدَهُمْ لَا تَكُونُ مُقَدِّمَاتُهُ النَّظَرِيَّةُ فِي دَرَجَةِ الضَّرُورِيَّاتِ قُوَّةً وَثَبَاتًا. وَقَدْ قَسَّمَ بَعْضُهُمُ الْيَقِينَ إِلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: عِلْمِ الْيَقِينِ وَهُوَ مَا يُعْلَمُ بِالدَّلِيلِ، وَعَيْنِ الْيَقِينِ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْكَشْفِ، وَحَقِّ الْيَقِينِ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِالذَّوْقِ وَالْوِجْدَانِ. وَمَثَّلَ لَهَا بَعْضُهُمْ بِالْفَنَاءِ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْمَوْتِ، فَكُلُّ أَحَدٍ عِنْدَهُ عِلْمُ الْيَقِينِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ، فَإِذَا عَايَنَ مَلَائِكَةَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْحَشْرَجَةِ وَقَبْلَ قَبْضِ الرُّوحِ كَانَ عَيْنَ الْيَقِينِ، فَإِذَا مَاتَ بِالْفِعْلِ وَصَلَ إِلَى دَرَجَةِ حَقِّ الْيَقِينِ، لَكِنَّ هَذِهِ الدَّرَجَةَ وَمَا قَبْلَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا التَّكْلِيفُ.
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) .
خَتَمَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: إِنَّهُمَا آخِرُ مَا نَزَلَ. وَبَيَّنَّا فِي الْكَلَامِ عَلَى السُّورَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي تَفْسِيرِهَا مَا يُعَارِضُهُ، وَسَنُحَقِّقُ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 70
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست