responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 69
كَلَامِ اللهِ وَاحِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ قَرِيبًا. وَالْمَعْنَى صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ عَنْ صِدْقِ الْإِيمَانِ، وَالِاهْتِدَاءِ بِآيَاتِ اللهِ فِي الْقُرْآنِ، الْمُرْشِدَةِ إِلَى آيَاتِهِ فِي الْأَكْوَانِ: (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) أَيْ سَبَبُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ فَقَدُوا صِفَةَ الْفَقَاهَةِ الْفِطْرِيَّةِ، وَفَهْمِ الْحَقَائِقِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَعْمَالِ، لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ عُقُولِهِمْ فِيهَا، فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ مَا يَسْمَعُونَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ لِعَدَمِ تَدَبُّرِهَا، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي مَعَانِيهَا، وَمُوَافَقَتِهَا لِلْعَقْلِ، وَهِدَايَتِهَا إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْدَاءً وَخُصُومًا لِلرَّسُولِ، فَوَطَّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ وَلَا تَأَمُّلٍ فِيهِ: أَمَعْقُولٌ أَمْ غَيْرُ مَعْقُولٍ؟ أَحَقُّ أَمْ بَاطِلٌ؟ أَخَيْرٌ أَمْ شَرٌّ؟ أَهُدًى أَمْ ضَلَالٌ؟ أَنَافِعٌ أَمْ ضَارٌّ؟ فَأَنَّى يُرْجَى لَهُمْ وَهَذِهِ حَالُهُمْ أَنْ يَهْتَدُوا بِتَعَدُّدِ نُزُولِ الْآيَاتِ وَالسُّورِ؟ إِنَّمَا مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الَّتِي جَرَوْا عَلَى نِظَامٍ تَعْلِيمِيٍّ وَتَرْبِيَةٍ وِجْدَانِيَّةٍ عَمَلِيَّةٍ فِي عَصَبِيَّتِهِمُ الدِّينِيَّةِ وَالْقَوْمِيَّةِ، وَارْتِبَاطِ مَنَافِعِهِمُ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ بِهَا، لَقَّنَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ أَنَّهُ يُوجَدُ دِينٌ اسْمُهُ الْإِسْلَامُ بُنِيَ أَسَاسُهُ عَلَى عَدَاوَتِكُمْ لِذَاتِكُمْ، فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَنْظُرُوا فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَحْثِ عَنْ مَطْعَنٍ وَلَوْ مُتَكَلَّفٍ تَلْمِزُونَهُ بِهِ، وَلَا تُفَكِّرُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالِ أَهْلِهِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ إِلَّا لِلْعَدَاوَةِ وَالتَّحْقِيرِ لَهُمْ، وَتَدْبِيرِ الْمَكَايِدِ لِلْعُدْوَانِ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا ظَهَرَ لَكُمْ شَيْءٌ حَسَنٌ مِنْ دِينِهِمْ فَوَجِّهُوا كُلَّ قُوَاكُمُ الْعَقْلِيَّةِ وَبَلَاغَتِكُمُ الْكَلَامِيَّةِ إِلَى تَشْوِيهِهِ وَذَمِّهِ وَالصَّدِّ عَنْهُ، وَهَذَا مَا يَفْعَلُهُ رِجَالُ الْكَنَائِسِ النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَمِنَ الْمَبَاحِثِ الْكَلَامِيَّةِ فِي الْآيَاتِ الْخِلَافُ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ،
عَلَى مَذْهَبَيْنِ فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ وَنَفْيِهِ، وَجُمْهُورُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَحُفَّاظِ السُّنَّةِ عَلَى الْإِثْبَاتِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَغْرَبِ مَسَائِلِ عَصَبِيَّاتِ الْمَذَاهِبِ عِنْدَ النُّظَّارِ الْجَدَلِيِّينَ وَمُقَلِّدِيهِمْ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا مَوْضِعَ الْخِلَافِ لِبَحْثِ بَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِمْ فِي مَفْهُومِ لَفْظِ الْإِيمَانِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِاعْتِقَادِهِ الدُّخُولُ فِي الْمِلَّةِ هَلْ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ فِي ذَاتِهِ؟ أَمِ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مُتَعَلِّقُ الْإِيمَانِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي كَانَتْ تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا السُّورَةُ؟ وَاسْتِبْعَادُ أَنْ يَكُونَ التَّصْدِيقُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْكَافِرُ مُؤْمِنًا قَابِلًا لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَهِيَ نَظَرِيَّةٌ بَاطِلَةٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْآيَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَرَ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ فِيهَا عَلَى التَّصْدِيقِ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ هَذَا بَدِيهِيٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ الْمُنَافِقُونَ، وَنُصُوصُ الْقُرْآنِ الْكَثِيرَةُ صَرِيحَةٌ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي صَرَّحَ فِيهَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ أَقَلَّ الْإِيمَانِ وَهُوَ الْمُنَجِّي مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ كَالذَّرَّةِ أَوِ الْخَرْدَلَةِ مِنَ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ الَّذِي لَا يَمَسُّ لِأَهْلِهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ شَيْءٌ، كَالَّذِينِ وَصَفَهُمُ اللهُ بِقَوْلِهِ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (8: 2) إِلَخْ. وَقَوْلُهُ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) (49: 15) إِلَخْ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 69
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست