responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 379
يَتَّقُونَ عَاقِبَةَ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ كُلَّ سُوءٍ وَضُرٍّ عُلِمَ سَبَبُهُ أَمْكَنَ اتِّقَاؤُهُ بِاتِّقَاءِ سَبَبِهِ، إِذَا كَانَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ الِاخْتِيَارِيِّ كَالْكُفْرِ وَالِاعْتِدَاءِ وَالظُّلْمِ.
(ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ) أَيْ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِ نُوحٍ رُسُلًا مِثْلَهُ
إِلَى أَقْوَامِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا مِثْلَ قَوْمِهِ فِيمَا يَأْتِي مِنْ خَبَرِهِمْ مَعَهُمْ، وَلِهَذَا أَفْرَدَ كَلِمَةَ (قَوْمِهِمْ) فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا مِنْهُ، وَالْمُرَادُ: أَرْسَلَنَا كُلَّ رَسُولٍ مِنْهُمْ إِلَى قَوْمِهِ كَهُودٍ إِلَى عَادٍ وَصَالِحٍ إِلَى ثَمُودَ، وَلَمْ يُرْسَلْ رَسُولٌ مِنْهُمْ إِلَى كُلِّ الْأَقْوَامِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِهِ إِلَّا شُعَيْبًا، أُرْسِلَ إِلَى قَوْمِهِ أَهْلِ مَدِينَ وَإِلَى جِيرَانِهِمْ أَصْحَابِ الْمُؤْتَفِكَةِ لِاتِّحَادِهِمَا فِي اللُّغَةِ وَالْوَطَنِ، وَإِنَّمَا أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ وَحْدَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً (فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) أَيْ فَجَاءَ كُلُّ رَسُولٍ مِنْهُمْ قَوْمَهُ بِالْبَيِّنَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رِسَالَتِهِ وَصِحَّةِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، بِحَسْبِ أَفْهَامِهِمْ وَأَحْوَالِهِمُ الْعَقْلِيَّةِ: (فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فَمَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يُؤْمِنَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمْ بِمَا كَذَّبَ بِهِ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ قَبْلُ مِمَّنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي سَبَبِ كُفْرِهِ، وَهُوَ اسْتِكْبَارُ الرُّؤَسَاءِ، وَتَقْلِيدُ الدَّهْمَاءِ لِلْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ (كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) أَيْ مِثْلُ هَذَا الطَّبْعِ، وَعَلَى غِرَارِ هَذِهِ السُّنَّةِ الَّتِي اطَّرَدَتْ فِيهِمْ، (نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) مَثَلُهُمْ فِي كُلِّ قَوْمٍ كَقَوْمِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ إِذَا كَانُوا مِثْلَهُمْ: (وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا) (17: 77) وَ (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا) (33: 62، 48: 23) فَأَمَّا الطَّبْعُ عَلَى الْقُلُوبِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ قَبُولِهَا شَيْئًا غَيْرَ مَا رَسَخَ فِيهَا وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا مِمَّا يُخَالِفُهُ كَقَبُولِ الْجَاهِلِ الْمُقَلِّدِ الدَّلِيلَ الْعِلْمِيَّ عَلَى بُطْلَانِ اعْتِقَادِ التَّقْلِيدِيِّ وَرُجُوعِ الْمُعَانِدِ عَنْ عِنَادِهِ وَكِبَرِهِ النَّفْسِيِّ (وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي تَفْسِيرِهَا مَا سَبَقَ فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ فِي سُورِ النِّسَاءِ وَالْأَعْرَافِ وَالتَّوْبَةِ، وَمَثَلُهُ تَفْسِيرُ: (خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ) فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ آيَةَ (7) .
وَأَمَّا الِاعْتِدَاءُ الَّذِي صَارَ وَصْفًا ثَابِتًا لِهَؤُلَاءِ (الْمُعْتَدِينَ) فَمَعْنَاهُ تَجَاوُزُ حُدُودِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ اتِّبَاعًا لِهَوَى النَّفْسِ وَشَهَوَاتِهَا، فَالطَّبْعُ الْمَذْكُورُ أَثَرٌ طَبَعِيٌّ لِلْحَالَةِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِوَصْفِ الِاعْتِدَاءِ، وَلَيْسَ عِقَابًا أُنُفًا (بِضَمَّتَيْنِ أَيْ جَدِيدًا) خَلَقَهُ اللهُ لِمَنْعِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانُوا مَعْذُورِينَ بِكُفْرِهِمْ وَلَمَا كَانَ فِيهِ عِبْرَةٌ لِغَيْرِهِمْ، بَلْ لَكَانَ حُجَّةً لَهُمْ، وَقَدْ فَهِمَتْ قُرَيْشٌ وَسَائِرُ الْعَرَبِ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ مُتَكَلِّمُو الْجَبْرِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا، وَهُوَ أَنَّهَا وَصْفٌ لِلْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ، وَالسَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ، وَسَنَّتُهُ تَعَالَى فِي دَوَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدَوَامِ الْآخَرِ، لَا بِذَاتِهِ وَكَوْنِهِ خَلْقِيًّا لَا مَفَرَّ مِنْهُ، بَلِ الْمَفَرُّ أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ مُمْكِنٌ، وَهُوَ تَرْكُ الْمُعَانِدِ لِعِنَادِهِ وَالْمُقَلِّدِ لِتَقْلِيدِهِ، إِيثَارًا لِلْحَقِّ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، فَهِمُوا هَذَا فَاهْتَدَى الْأَكْثَرُونَ بِالتَّدْرِيجِ، وَهَلَكَ الَّذِينَ اسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَغَيْرِهَا.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 379
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست