responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 378
(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) أَيْ فَأَصَرُّوا عَلَى تَكْذِيبِهِ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ لَهُمُ الْحُجَّةَ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى حَقِّيَّةِ دَعْوَتِهِ، وَبَرَاءَتِهِ مَنْ كُلِّ خَوْفٍ مِنْهُمْ إِذَا كَذَّبُوا، وَرَجَاءٍ فِيهِمْ إِذَا آمَنُوا، فَنَجَّيْنَاهُ هُوَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ الَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا بِأَمْرِنَا لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَلَفْظُ ((الْفُلْكِ)) هُنَا مُفْرَدٌ وَهُوَ السَّفِينَةُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ، وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمْعِ أَيْضًا كَمَا قَالَ: (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ) (16: 14) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْقَرَائِنِ، إِنْ لَمْ تُوصَفْ بِالْجَمْعِ كَالْمَوَاخِرِ (وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ) يَخْلُفُونَ الْمُكَذِّبِينَ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا عَلَى قِلَّتِهِمْ (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) بَعْدَ أَنْ أَنْذَرَهُمْ وَأَوْعَدَهُمُ الْعَذَابَ، أَيْ وَأَغْرَقْنَاهُمْ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ)
أَيْ فَانْظُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ بِعَيْنِ بَصِيرَتِكَ وَعَقْلِكَ، كَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَةُ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَنْذَرَهُمْ رَسُولُهُمْ وُقُوعَ عَذَابِ اللهِ عَلَيْهِمْ فَأَصَرُّوا عَلَى تَكْذِيبِهِ، فَكَذَا تَكُونُ عَاقِبَةُ مَنْ يُصِرُّونَ عَلَى تَكْذِيبِكَ مِنْ قَوْمِكَ، وَكَذَلِكَ تَكُونُ عَاقِبَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّبِعِينَ لَكَ.
قَدَّمَ ذِكْرَ تَنْجِيَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِخْلَافَهُمْ عَلَى إِغْرَاقِ الْمُكَذِّبِينَ وَقَطْعِ دَابِرِهِمْ، لِأَنَّهُ هُوَ الْأَهَمُّ فِي سِيَاقِ صِدْقِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَوَّلُهُمَا تَقْدِيمُ مِصْدَاقِ الْوَعْدِ لِتَسْلِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَسْرِيَةِ حُزْنِهِ عَلَى قَوْمِهِ وَمِنْهُمْ، وَثَانِيهِمَا كَوْنُهُ هُوَ الْأَظْهَرَ فِي الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّهُمَا (أَيِ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ) مِنَ اللهِ تَعَالَى الْقَادِرِ عَلَى إِيقَاعِهِمَا، عَلَى خِلَافِ مَا يَعْتَقِدُ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ الْمَغْرُورُونَ بِكَثْرَتِهِمْ وَقِلَّةِ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَخِلَافُ الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ فِي الْمَصَائِبِ الْعَامَّةِ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ أَنَّهَا تُصِيبُ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ عَلَى سَوَاءٍ، فَلَا تَمْيِيزَ فِيهَا وَلَا اسْتِثْنَاءَ، وَلَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَتْ بِهِ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى فِي مُكَذِّبِي الرُّسُلِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ فَكَانَ آيَةً لَهُمْ، فَلَوْلَا أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ اللهِ عَلَى وَفْقِ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ لَمَا هَلَكَ الْأُلُوفُ الْكَثِيرُونَ، وَنَجَا أَفْرَادٌ قَلِيلُونَ لَهُمْ صِفَةٌ خَاصَّةٌ أَخْرَجَهُمْ مِنْهُمْ تَصْدِيقًا لِخَبَرِ رَسُولِهِمْ، وَمَا سِيقَ هَذَا النَّبَأُ هُنَا إِلَّا لِتَقْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى. وَغَفَلَ عَنْهُ الْبَاحِثُونَ عَنْ نُكْتَةِ الْبَلَاغَةِ فِي الْعُدُولِ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى الِاسْمِ الْمَوْصُولِ فَقَالُوا: إِنَّهَا تَعْجِيلُ الْمَسَرَّةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْإِيذَانُ بِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُقَدِّمَةٌ عَلَى الْعَذَابِ وَلَكِنْ مَا قُلْنَاهُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ لِذَاتِهِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ.
(ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسَلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) .
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِبْرَةً أُخْرَى مَنْ عِبَرِ مُكَذِّبِي الرُّسُلِ وَسُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ فِيهِمْ، تَكْمِلَةً لِمَا بَيَّنَهُ فِي حَالِ قَوْمِ نُوحٍ مَعَ رَسُولِهِمْ، عَسَى أَنْ يَعْتَبِرَ بِهَا أَهْلُ مَكَّةَ فَيَعْلَمُوا كَيْفَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 378
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست