responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 331
(الرَّابِعَةُ: الرَّحْمَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ) وَهِيَ مَا تُثْمِرُهُ لَهُمْ هِدَايَةُ الْقُرْآنِ وَتُفِيضُهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِمُ الْخَاصَّةِ، وَهِيَ صِفَةُ كَمَالٍ مِنْ آثَارِهَا إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ وَكَفُّ الظُّلْمِ، وَمَنْعُ التَّعَدِّي وَالْبَغْيِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالْبَرِّ، وَمُقَاوَمَةِ الشَّرِّ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (48: 29) وَبِقَوْلِهِ: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (90: 17) .
وَهَذِهِ الصِّفَاتُ الْأَرْبَعُ مُرَتَّبَةٌ عَلَى سُنَّةِ الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ، فَالْمَوْعِظَةُ: التَّعَالِيمُ الَّتِي تُشْعِرُ النَّفْسَ بِنَقْصِهَا وَخَطَرِ أَمْرَاضِهَا الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْخُلُقِيَّةِ، وَتُزْعِجُهَا إِلَى مُدَاوَاتِهَا وَطَلَبِ الشِّفَاءِ مِنْهَا، وَالشِّفَاءُ تَخْلِيَةٌ يُتْبِعُهَا طَلَبُ التَّحْلِيَةِ بِالصِّحَّةِ الْكَامِلَةِ، وَالْعَافِيَةُ التَّامَّةُ، وَهُوَ الْهُدَى، وَمِنْ ثَمَرَاتِهِ هَذِهِ الرَّحْمَةُ الَّتِي لَا تُوجَدُ عَلَى كَمَالِهَا إِلَّا فِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُهْتَدِينَ، وَلَا يُحَرِّمُهَا إِلَّا الْكَافِرُونَ الْمَادِّيُّونَ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا ضَعْفٌ فِي الْقَلْبِ، يَجْعَلُ صَاحِبَهُ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى الْإِحْسَانِ وَالْعَطْفِ، وَمَا هَذَا الْقَوْلُ إِلَّا مِنْ فَسَادِ الْفِطْرَةِ، وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ وَفَلْسَفَةِ الْكُفْرِ، فَلَقَدْ كَانَ أَشْجَعُ النَّاسِ وَأَقْوَاهُمْ بَدَنًا وَقَلْبًا، أَرْحَمَ النَّاسِ وَأَشَدَّهُمْ عَطْفًا، وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ الَّذِي وَصَفَهُ رَبُّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ قَوْلِهِ: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (9: 128) بَلْ جَعَلَهُ عَيْنَ الرَّحْمَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (21: 107) وَكَذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - حَتَّى كَانَ مَنْ يُوصَفُ بِالشِّدَّةِ وَالْقَسْوَةِ كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - صَارَ مِنْ أَرْحَمِ النَّاسِ وَسِيرَتُهُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفَةٌ.
وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ)) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ وَهُوَ وَفِي الصَّلَاةِ بُكَاءَ طِفْلٍ تَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، أَيِ اخْتَصَرَ وَخَفَّفَ رَحْمَةً بِهِ وَبِأُمِّهِ، وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَرَّ بِصَفِيَّةَ وَبِابْنَةِ عَمٍّ لَهَا عَلَى قَتْلَى قَوْمِهِمَا الْيَهُودِ بَعْدَ انْتِهَاءِ غَزْوَةِ قُرَيْظَةَ فَصَكَّتِ ابْنَةُ عَمِّهَا وَجْهَهَا وَحَثَتْ عَلَيْهِ التُّرَابَ وَهِيَ تَصِيحُ وَتَبْكِي، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: ((أَنُزِعَتِ الرَّحْمَةُ مِنْ قَلْبِكَ حَتَّى مَرَرْتَ بِالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَاهُمَا)) وَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ
إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّكُمْ تُقَبِّلُونَ أَوْلَادَكُمْ وَمَا نُقَبِّلُهُمْ. فَقَالَ: ((أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِنْ قَلْبِكَ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -.
بَلْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَدِيدَ الرَّحْمَةِ بِالْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَالْحَشَرَاتِ، وَطَالَمَا أَوْصَى بِهَا وَلَا سِيَّمَا صِغَارِهَا وَأُمَّهَاتِهَا. جَاءَهُ مَرَّةً رَجُلٌ وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ قَدِ الْتَفَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّنِي لَمَّا رَأَيْتُكَ أَقْبَلْتَ، فَمَرَرْتُ بِغَيْطَةِ شَجَرٍ فَسَمِعْتُ فِيهَا أَصْوَاتَ فِرَاخِ طَائِرٍ فَأَخَذْتُهُنَّ فَوَضَعَتْهُنَّ فِي كِسَائِي فَجَاءَتْ أُمُّهُنَّ فَاسْتَدَارَتْ عَلَى رَأْسِي وَكَشَفْتُ لَهَا عَنْهُنَّ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِنَّ فَلَفَفْتُهَا مَعَهُنَّ بِكِسَائِي فَهُنَّ أُولَاءِ مَعِي، فَقَالَ: ((ضَعْهُنَّ (قَالَ) فَفَعَلْتُ فَأَبَتْ أُمُّهُنَّ إِلَّا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 331
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست