responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 320
وَحِكْمَةُ هَذَا الْإِبْهَامِ التَّخْوِيفُ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْوَعِيدِ، مَعَ عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ لَنْ يَقَعَ عَلَى قَوْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَجِيئَهُمْ مَا اقْتَرَحُوا مِنْ آيَةٍ كَوْنِيَّةٍ
وَيُصِرُّوا بَعْدَهُ التَّكْذِيبَ، وَلَنْ يَقَعَ، وَلَكِنْ فِي آيَةِ يُونُسَ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَيُرِي رَسُولَهُ بَعْدَ نُزُولِهَا بَعْضَ الَّذِي يَعِدُهُمْ لَا كُلَّهُ، وَقَدْ أَنْجَزَ لَهُ ذَلِكَ فَأَرَاهُ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْقَحْطِ وَالْمَجَاعَةِ بِدُعَائِهِ عَلَيْهِمْ، وَنَصْرِهِ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ النَّصْرِ فِي أَوَّلِ مَعْرَكَةٍ هَاجَمَهُ بِهَا رُؤَسَاؤُهُمْ وَصَنَادِيدُهُمْ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ، وَفِي غَيْرِهَا إِلَى فَتْحِ عَاصِمَتِهِمُ الْكُبْرَى أُمِّ الْقُرَى، وَإِكْمَالِ الدِّينِ وَدُخُولِ النَّاسِ فِيهِ أَفْوَاجًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَوَاضِعِهِ.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ رَسُولًا بَعَثَهُ فِيهَا فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، يُبَيِّنُ لَهُمْ أُصُولَ دِينِهِ الثَّلَاثَةَ: الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَالْيَوْمُ الْآخِرُ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الْمُنَاسِبُ لِحَالِ زَمَنِهِمْ: (فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ) وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ: قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ أَيْ قَضَى اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) فِي قَضَائِهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي تَأْكِيدُهُ قَرِيبًا) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ) أَيْ وَيَقُولُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: مَتَى يَقَعُ هَذَا الْوَعْدُ الَّذِي تَعِدُونَنَا بِهِ (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) فِي قَوْلِكُمْ إِنَّ اللهَ تَعَالَى سَيَنْتَقِمُ لَكُمْ مِنَّا وَيَنْصُرُكُمْ عَلَيْنَا، أَيْ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا) (19: 75) وَقَوْلِهِ (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) (72: 24 - 26) إِلَخْ.
وَهَاهُنَا لَقَّنَ اللهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَوَابَ بِقَوْلِهِ: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) أَيْ إِنَّنِي بَشَرٌ رَسُولٌ لَا أَمَلِكُ لِنَفْسِي - فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا - شَيْئًا مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الضُّرِّ فَأَدْفَعَهُ عَنْهَا وَلَا النَّفْعِ فَأَجْلِبَهُ لَهَا، مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَقْدِرُ غَيْرِي عَلَيْهَا، وَلَيْسَ مِنْهَا إِنْزَالُ الْعَذَابِ بِالْكُفَّارِ الْمُعَانِدِينَ، وَلَا هِبَةُ النَّصْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ (إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ) أَيْ لَكِنْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مَتَى شَاءَ لِي فِيهِ ; لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالرُّبُوبِيَّةِ دُونَ الرِّسَالَةِ الَّتِي وَظِيفَتُهَا التَّبْلِيغُ لَا التَّكْوِينُ. هَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُنَا مُنْقَطِعٌ وَلَهُ أَمْثَالٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَهُوَ مَنْ أَظْهَرِهَا الصَّرِيحِ فِي هَذَا
الْمَقَامِ: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (7: 188) وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الضُّرِّ عَلَى النَّفْعِ وَتَأْخِيرِهِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَامِ، فَقَدْ قُدِّمَ الضُّرُّ فِي آيَةِ يُونُسَ لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ عَنْ مِيعَادِ الْعَذَابِ الَّذِي أُنْذِرُوا بِهِ، وَهُوَ مِنَ الضُّرِّ، وَقُدِّمَ النَّفْعُ فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ لِأَنَّ الْمَقَامَ بَيَانُ الْحَقِيقَةِ فِي نَفْسِهَا، وَهُوَ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْكَوْنِ بِغَيْرِ الْأَسْبَابِ الْعَامَّةِ فَضْلًا عَنْ مِلْكِهِ لِغَيْرِهِ، وَالْمُنَاسِبُ فِي هَذَا تَقْدِيمُ النَّفْعِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ مِنْ تَصَرُّفِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 320
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست