responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 314
لِذَاتِهِ لَا لِمَا يُرَادُ بِهِ، وَهِيَ بَلَاغَتُهُ فِي غَرَابَةِ نَظْمِهِ، وَجَرْسِ الصَّوْتِ بِتَرْتِيلِهِ، كَمَنْ يَسْتَمِعُ إِلَى طَائِرٍ يُغَرِّدُ عَلَى فَنَنِهِ ; لِيَسْتَمْتِعَ بِصَوْتِهِ لَا لِيفْهَمَ مِنْهُ، كَمَا قَالَ: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (21: 2 و3) أَوْ كَالْبَهَائِمِ يَصِيحُ بِهَا الرَّاعِي فَتَرْفَعُ رُءُوسَهَا لِاسْتِمَاعِ صَوْتِهِ الَّذِي رَاعَهَا فَصَرَفَهَا عَنْ رَعْيِهَا، كَمَا قَالَ: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (2: 171) أَوْ كَمَا قَالَ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) (6: 25) وَالْقَاعِدَةُ الطَّبِيعِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنَّ الْأُمُورَ بِمَقَاصِدِهَا. وَنَحْنُ نَرَى كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقْصِدُونَ قُرَّاءَ الْقُرْآنِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ أَوْ فِي الْمَآتِمِ، لِيَسْتَمِعُوا إِلَى فُلَانٍ الْقَارِئِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ لِغَرَضِ التَّلَذُّذِ بِتَرْتِيلِهِ وَتَوْقِيعِ صَوْتِهِ أَوْ بَلَاغَتِهِ، وَلَا أَحَدَ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَوَاعِظِ الْقُرْآنِ وَنُذُرِهِ، وَحِكَمِهِ وَعِبَرِهِ، وَلَا عَقَائِدِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ سَمِعْتُ بِأُذُنِي مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ وَيَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ تَأْثِيرِهِ وَتَغَلْغُلِهِ فِي أَعْمَاقِ الْقَلْبِ وَهُوَ لَا يُؤْمِنُ بِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ) هَذَا الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، يَعْنِي أَنَّ السَّمَاعَ النَّافِعَ لِلْمُسْتَمِعِ هُوَ مَا عَقَلَ بِهِ مَا يَسْمَعُهُ وَفَقِهَهُ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، فَمَنْ فَقَدَ هَذَا كَانَ كَالْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الرَّسُولُ لَمْ تُؤْتَ الْقُدْرَةَ عَلَى إِسْمَاعِ الصُّمِّ أَيْ فَاقِدِي حَاسَّةِ السَّمْعِ حَقِيقَةً، فَكَذَلِكَ لَا تَسْتَطِيعُ الْإِسْمَاعَ النَّافِعَ لِلصُّمِّ مَجَازًا وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ
مَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَفْقَهُونَ مَعْنَاهُ فَيَهْتَدُوا بِهِ. وَالْبَلَاغَةُ فِي ظَاهِرِ تَعْبِيرِ الْآيَةِ وَصْفُهُمْ بِفَقْدِ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ مَعًا، وَهُوَ مَجَازٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ مَنْ فَقَدَ الْحِسَّ وَالْعَقْلَ حَقِيقَةً لَا يَكُونُ مُكَلَّفًا. وَإِذْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ الْمَنْفِيِّ هَنَا عَقْلَ الْكَلَامِ وَفِقْهَهُ، فَهُوَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ السَّمَاعِ وَنَفْيَ الصَّمَمِ الْحَقِيقِيَّيْنِ.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) أَيْ يُوَجِّهُ أَشِعَّةَ بَصَرِهِ إِلَيْكَ عِنْدَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلَكِنَّهُ لَا يُبْصِرُ مَا آتَاكَ اللهُ مِنْ نُورِ الْإِيمَانِ، وَهِيبَةِ الْخُشُوعِ لِلدَّيَّانِ، وَكَمَالِ الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ، وَأَمَارَاتِ الْهَدْيِ وَالْحَقِّ، وَآيَاتِ الْتِزَامِ الصِّدْقِ، الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا أَحَدُ أُولِي الْبَصِيرَةِ بِقَوْلِهِ عِنْدَمَا رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاللهِ مَا هَذَا بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَقَالَ فِيهِ آخَرُ:
لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنِةٌ ... كَانَتْ بَدِيهَتُهُ تُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ
وَقَالَ حَكِيمٌ إِفْرِنْجِيٌّ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي حَالَةِ وَلَهٍ وَتَأَثُّرٍ وَتَأْثِيرٍ، فَيَجْذِبُ بِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 314
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست