responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 299
الِاعْتِقَادُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا شَكَّ مَعَهُ - لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ نُظَّارِ الْفَلْسَفَةِ وَالْمَنْطِقِ الْمُؤَلَّفُ مِنْ عِلْمَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الشَّيْءَ كَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا كَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْأَحْكَامَ الْعَمَلِيَّةَ يَكْفِي فِيهَا الدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ، فَفِيهِ أَنَّ الدَّلِيلَ الظَّنِّيَّ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِيمَانُ بِالْمَظْنُونِ، بَلِ التَّصْدِيقُ بِالْمَظْنُونِ لَا يُسَمَّى إِيمَانًا. وَإِنَّمَا يَعْمَلُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ خُرُوجًا مِنَ الْحَيْرَةِ وَالتَّرْجِيحِ بِهَوَى النَّفْسِ.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) هَذِهِ قَضِيَّةٌ ثَانِيَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ خَاصَّةٌ بِالْعَمَلِ، شَأْنُهَا أَنْ يُسْأَلَ عَنْهَا بَعْدَ الْقَضِيَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الِاعْتِقَادِ، فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِمُقْتَضَى اعْتِقَادَاتِهِمُ الظَّنِّيَّةِ وَالْقَطْعِيَّةِ، فَهُوَ يُحَاسِبُهُمْ وَيُجَازِيهِمْ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ مِنْهَا بِحَسَبِهِ، فَالْجَزَاءُ عَلَى مُخَالَفَةِ الِاعْتِقَادِ الْقَطْعِيِّ بِصِدْقِ الرَّسُولِ مِنْ تَكْذِيبٍ وَجُحُودٍ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْجَزَاءِ. وَيَلِيهِ التَّكْذِيبُ بِاتِّبَاعِ الظَّنِّ كَالتَّقْلِيدِ. وَمِنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ الصَّدُّ عَنِ الْإِيمَانِ وَإِيذَاءُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَنْوَاعِهِ، وَمِنْهَا سَائِرُ الشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي الشَّخْصِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ كَالْقَتْلِ وَالْفَاحِشَةِ وَالسُّكْرِ وَالرِّبَا إِلَخْ.
وَالْعِبْرَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا، وَهُمَا مِنْ آيَاتِهِ الْمُحْكَمَاتِ فِي أُصُولِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ مِنْ حَيَاتِهِ تَزْكِيَةَ نَفْسِهِ وَتَكْمِيلَهَا بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ فِي كُلِّ اعْتِقَادٍ، وَالْهُدَى وَهُوَ الصَّلَاحُ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَبِنَاؤُهُمَا عَلَى أَسَاسِ الْعِلْمِ دُونَ الظَّنِّ وَمَا دُونَهُ مِنَ الْخَرْصِ وَالْوَهْمِ، فَالْعِلْمُ الْمُفِيدُ لِلْحَقِّ وَالْمُبَيِّنُ لِلْهُدَى فِي الدِّينِ هُوَ مَا كَانَ قَطْعِيَّ الرِّوَايَةِ وَالدَّلَالَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْجَمَاعَةُ الْأُولَى، وَهُوَ الشَّرْعُ الْعَامُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ التَّفَرُّقُ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ، فَهُوَ مَنَاطُ وَحْدَتِهِمْ، وَرَابِطَةُ جَامِعَتِهِمْ، وَمَا دُونَهُ مِمَّا لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الِاعْتِقَادِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي الْأَعْمَالِ، اجْتِهَادِ الْأَفْرَادِ فِي الْأَعْمَالِ الشَّخْصِيَّةِ، وَاجْتِهَادِ أُولِي الْأَمْرِ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِدَارَةِ وَالسِّيَاسَةِ، مَعَ تَقْيِيدِهِمْ فِيهِ بِالشُّورَى فِي اسْتِبَانَةِ الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، كَمَا فَصَّلْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فِي مَوَاضِعِهِ.
وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ، فَحَكَمَ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ الْعَادَاتِ الْمُبَاحَةِ فِي الْأَصْلِ كَلِعْبِ الشَّطْرَنْجِ، وَكَذَا الْمُسْتَحَبَّةِ كَمُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ لِزَوْجِهِ، وَسَمَاعِ الْغَنَاءِ، بِشُبْهَةِ أَنَّهَا مِنَ الْبَاطِلِ أَوْ مِنَ الضَّلَالِ، وَلَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ
فَضْلًا عَنْ قَطْعِيٍّ وِفَاقًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ الْمُخَالِفِ فِيهِ لِلرِّوَايَةِ عَنْ إِمَامِهِ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُونَ مِنَ الْمُنْتَمِينَ فِي الْفِقْهِ إِلَى كُلِّ مَذْهَبٍ، فَقَدْ حَرَّمُوا عَلَى النَّاسِ مَا لَا يُحْصَى بِالرَّأْيِ وَالْأَقْيِسَةِ الْوَهْمِيَّةِ، الَّتِي هِيَ دُونَ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ، وَهَدْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشُّبَهَاتِ الِاحْتِيَاطُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ: ((الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيَّنٌ)) الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَاسْتِفْتَاءُ (الْوِجْدَانِ) لِحَدِيثِ: ((اسْتَفْتِ نَفْسَكَ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 299
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست