responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 296
مِنْ سُلْطَانِ الْأَرْوَاحِ فِي عَالَمِ الْأَجْسَامِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ أَنْ يُرْشِدَهُمْ إِلَى جَهْلِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيُنَبِّهَهُمْ لِلتَّفْكِيرِ فِي أَمْرِهِمْ بِقَوْلِهِ: (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أَيْ فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ دَوَاعِي الْفِطْرَةِ وَخَاصَّةِ الْعَقْلِ فِي التَّفْكِيرِ، لِلْعِلْمِ بِالْحَقَائِقِ وَالْبَحْثِ عَنِ الْمَصِيرِ؟ .
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) ؟ هَذَا سُؤَالٌ عَنْ شَأْنٍ آخَرَ مِنْ شُئُونِ الرُّبُوبِيَّةِ، الْمُقْتَضِيَةِ لِاسْتِحْقَاقِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَتَوْحِيدِ الْعِبَادَةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ، وَهُوَ الْهِدَايَةُ الَّتِي تَتِمُّ بِهَا حِكْمَةُ الْخَلْقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُهَا عَقِبَهُ فِي آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) (26: 78) (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (20: 50) ، (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (87: 2، 3) وَهِيَ أَنْوَاعُ هِدَايَةِ الْفِطْرَةِ وَالْغَرِيزَةِ، وَهِدَايَةِ الْحَوَّاسِ، وَهِدَايَةِ الْعَقْلِ، وَهِدَايَةِ التَّفَكُّرِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَهِدَايَةِ الدِّينِ، وَهُوَ لِلنَّوْعِ الْبَشَرِيِّ فِي جُمْلَتِهِ كَالْعَقْلِ لِأَفْرَادِهِ، وَهِدَايَةِ التَّوْفِيقِ الْمُوصِّلِ بِالْفِعْلِ إِلَى الْغَايَةِ بِتَوْجِيهِ النَّفْسِ إِلَى طَلَبِ الْحَقِّ وَتَسْهِيلِ سَبِيلِهِ وَمَنْعِ الصَّوَارِفِ عَنْهُ. وَلَمَّا كَانَ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَشْرَكُوهُمْ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، بِادِّعَاءِ التَّقْرِيبِ إِلَيْهِ وَالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ مِنْ نَاحِيَةِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ، وَلَا مِنْ نَاحِيَةِ التَّشْرِيعِ، لَقَّنَ اللهُ رَسُولَهُ الْجَوَابَ بِقَوْلِهِ (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) فِعْلُ الْهُدَى يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (1: 6) ، (وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (48: 2) (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (29: 69) وَيَتَعَدَّى بِإِلَى كَقَوْلِهِ: (وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (6: 87) ، (وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (5: 16) (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) (72: 2) ، (وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) (38: 22) وَبِاللَّامِ كَقَوْلِهِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) (7: 43) (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (17: 9) ، (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) (49: 17) فَتَعْدِيَتُهُ بِنَفْسِهِ تُفِيدُ اتِّصَالَ الْهِدَايَةِ بِمُتَعَلِّقِهَا مُبَاشَرَةً، وَتَعْدِيَتُهُ بِـ ((اللَّامِ)) تُفِيدُ التَّقْوِيَةَ أَوِ الْعِلَّةَ وَالسَّبَبِيَّةَ، وَبِـ ((إِلَى)) لِلْغَايَةِ الَّتِي تَنْتَهِي إِلَيْهَا الْهِدَايَةُ، فَهِيَ تَشْمَلُ مُقَدِّمَاتِهَا وَأَسْبَابَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مُوَصِّلَةً إِلَى الْمُنْتَهَى الْمَقْصُودِ لِلْهَادِي السَّائِقِ إِلَيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ قَصْدُهُ مَجْهُولًا لِمُطِيعِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الشَّيْطَانِ: (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) (22: 4) وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْزِيلِ فِي مَوْضِعِهِ اللَّائِقِ بِهِ، يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ سَلِيمٌ فِي هَذِهِ اللُّغَةِ الدَّقِيقَةِ الْعَالِيَةِ. وَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ التَّعْدِيَةِ بِالْحَرْفَيْنِ، وَبَيْنَ تَرْكِ التَّعْدِيَةِ وَهُوَ حَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ الدَّالِّ عَلَى الْعُمُومِ، وَكُلٌّ مِنْهَا وَقَعَ فِي مَوْقِعِهِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ فَهَاكَهُ فَلَمْ نَرَ أَحَدًا بَيَّنَهُ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَدْ عَدَّاهُ بِإِلَى فِي حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ؛ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُ لَا أَحَدَ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءِ الْمُتَّخَذِينَ بِالْبَاطِلِ يَدُلُّ النَّاسَ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَنْتَهِي سَالِكُهُ إِلَى الْحَقِّ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَهُوَ التَّشْرِيعُ، فَهُوَ يَنْفِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَتَائِجَهَا، وَالْأَسْبَابَ وَمُسَبِّبَاتِهَا، وَلَوْ عَدَّاهُ بِنَفْسِهِ لَمَا أَفَادَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 296
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست