responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 294
ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَأَنَّ الْهُدَى وَالضَّلَالَ ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلِهَذَا الْأَصْلِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ الْعَقْلِيِّ. وَفِيهَا مِنْ حَسَنَاتِ الْإِيجَازِ فِي التَّعْبِيرِ مَا يُسَمِّيهِ عُلَمَاءُ الْبَدِيعِ بِالِاحْتِبَاكِ، وَهُوَ أَنْ يُحْذَفَ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْمُتَقَابِلَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُقَابِلُهُ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْآيَةِ أَتَمَّ الظُّهُورِ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ الْجُمْهُورُ.
(كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ الَّذِي حَقَّتْ بِهِ كَلِمَةُ رَبِّكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِي وَحْدَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، وَكَوْنِ الْحَقِّ لَيْسَ بَعْدَهُ لِتَارِكِهِ إِلَّا الْبَاطِلُ، وَالْهُدَى لَيْسَ وَرَاءَهُ لِلنَّاكِبِ عَنْهُ إِلَّا الضَّلَالُ ((حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ)) : أَيْ سُنَّتُهُ أَوْ وَعِيدُهُ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا، أَيْ خَرَجُوا مِنْ حَظِيرَةِ الْحَقِّ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَهِدَايَةُ الدِّينِ الْحَقِّ. فَفِي كَلِمَةِ الرَّبِّ وَجْهَانِ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَصْلٌ فِي الْقُرْآنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَلِمَةُ التَّكْوِينِ، وَهِيَ سُنَّتُهُ فِي الْفَاسِقِينَ الْخَارِجِينَ مِنْ نُورِ الْفِطْرَةِ وَاسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ، الَّذِينَ لَا يَتَوَجَّهُونَ إِلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ؛ لِرُسُوخِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَاطْمِئْنَانِهِمْ بِهِ بِالتَّقْلِيدِ وَالْعَمَلِ فَقَوْلُهُ: (أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) عَلَى هَذَا بَيَانٌ لِلْكَلِمَةِ أَوْ بَدَلٌ مِنْهَا، أَيِ اقْتَضَتْ سُنَّتُهُ فِي غَرَائِزِ الْبَشَرِ وَأَخْلَاقِهِمْ (أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) بِمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ رُسُلُنَا مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْهُدَى مَهْمَا تَكُنْ آيَاتُهُمْ بَيِّنَةً، وَحُجَجُهُمْ قَوِيَّةً ظَاهِرَةً، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ مَنْعًا قَهْرِيًّا مُسْتَأْنَفًا بِمَحْضِ قُدْرَتِهِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِمْ تَرْجِيحًا لِلْكُفْرِ عَلَيْهِ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) (10: 96 و97) .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا كَلِمَةُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِوَعِيدِ الْفَاسِقِينَ الْكَافِرِينَ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الم السَّجْدَةِ: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ) (32: 20) وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ غَافِرٍ: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) (40: 6) وَيَكُونُ قَوْلُهُ: (أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) عَلَى هَذَا تَعْلِيلًا لِمَا قَبْلَهُ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ، أَيْ لِأَنَّهُمْ أَوْ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
وَكُلٌّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ حَقٌّ ظَاهِرٌ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ هُنَا.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ (كَلِمَةُ) فِي آيَتَيْ يُونُسَ وَآيَةِ غَافِرٍ بِالْجَمْعِ (كَلِمَاتُ) وَلِأَجْلِ ذَلِكَ رُسِمَتْ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ بِالتَّاءِ الْمَبْسُوطَةِ (كَلِمَتُ) وَوَجْهُ قِرَاءَةِ الْجَمْعِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى بِوَجْهَيْهِ قَدْ تَعَدَّدَ وَتَكَرَّرَ فِي آيَاتِ الْكِتَابِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 294
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست