responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 291
هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أُسْلُوبِ إِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ، وَهُوَ أُسْلُوبُ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ، وَيَلِيهِ إِثْبَاتُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْقُرْآنِ.
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا يُنْزِلُهُ مِنَ الْمَطَرِ، وَمِنَ الْأَرْضِ بِمَا يُنْبِتُهُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ النَّبَاتِ نَجْمِهِ وَشَجَرِهِ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَتَأْكُلُ أَنْعَامُكُمْ؟ (وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ) بَلْ قُلْ لَهُمْ أَيْضًا: مَنْ يَمْلِكُ مَا تَتَمَتَّعُونَ بِهِ أَنْتُمْ وَغَيْرُكُمْ مِنْ حَوَاسِّ السَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ، الَّتِي لَوْلَاهَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مِنْ أَمْرِ الْعَالَمِ شَيْئًا، بَلْ تَكُونُ الْأَنْعَامُ وَالْحَشَرَاتُ وَكَذَا الشَّجَرُ خَيْرًا مِنْكُمْ بِاسْتِغْنَائِهَا عَمَّنْ يَقُومُ بِضَرُورَاتِ مَعَاشِهَا، مَنْ يَمْلِكُ خَلْقَ هَذِهِ الْحَوَاسِّ وَهِبَتِهَا لِلنَّاسِ، وَحِفْظِهَا مِنَ الْآفَاتِ وَخَصَّ هَاتَيْنِ الْحَاسَّتَيْنِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ عَلَيْهِمَا مَدَارَ الْحَيَاةِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَكَمَالَ الْبَشَرِيَّةِ، وَتَحْصِيلَ الْعُلُومِ الْأَوَّلِيَّةِ، يَشْعُرُ بِذَلِكَ الْمَسْئُولُونَ بِمُجَرَّدِ إِلْقَاءِ السُّؤَالِ، وَكُلَّمَا ازْدَادُوا فِيهِ تَفَكُّرًا ازْدَادُوا عِلْمًا وَإِعْجَابًا وَإِكْبَارًا لِإِنْعَامِ اللهِ تَعَالَى بِهِمَا وَإِيمَانًا بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ غَيْرُهُ عَلَيْهِمَا، وَلَا سِيَّمَا إِدْرَاكَ الْكَلَامِ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ، وَمَا يَرْسُمُهُ صَوْتُ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْهَوَاءِ مِنْ مَعْلُومَاتِهِ الَّتِي يُدْلِي بِهَا إِلَى غَيْرِهِ فَتَتَكَيَّفُ بِهَا كُلُّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِهِ (أَيِ الْهَوَاءُ) فَتُقْرَعُ بِهِ طَبْلَةُ كُلِّ أُذُنٍ مِنْ آذَانِ السَّامِعِينَ وَإِنْ كَثُرُوا،
فَيَنْقُلُهَا الْعَصَبُ الْمُتَّصِلُ بِهَا إِلَى مَرْكَزِ إِدْرَاكِ الْكَلَامِ مِنْ دِمَاغِهِ، فَيُدْرِكُ مَعْنَاهَا الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِهَا بِأَقْوَى مِمَّا يُدْرِكُهُ مَنْ قَرَأَهَا مَخْطُوطَةً فِي كِتَابٍ، لِمَا لِجَرْسِ الصَّوْتِ مِنَ التَّأْثِيرِ الْخَاصِّ، فَمَنْ ذَا الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْآيَاتِ؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي أَلْهَمَهَا إِيدَاعَ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي الْأَصْوَاتِ وَمَنْ ذَا الَّذِي وَضَعَ هَذَا النِّظَامَ فِي الْهَوَاءِ؟ .
ثُمَّ إِذَا ازْدَادَ عِلْمًا بِإِدْرَاكِ الْبَصَرِ لِلْمُبْصِرَاتِ، وَمَا لَهَا مِنَ الْمَقَادِيرِ وَالْأَلْوَانِ وَالصِّفَاتِ، وَمَا لِلْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ مِنَ الشَّكْلِ الْمُحَدَّبِ، وَمَا لَهَا مِنَ الطَّبَقَاتِ وَالرُّطُوبَاتِ، الْمُوَافِقَةِ لِسُنَنِ اللهِ فِي النُّورِ الَّذِي تُدْرِكُ بِهِ الْمَرْئِيَّاتِ، مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْأَسْفَارِ وَمُوجَزٌ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ، ازْدَادَ يَقِينًا بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ الدَّالَّةِ عَلَى عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي الْكَائِنَاتِ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْهَا الْمَشْغُولُونَ عَنْ عَظَمَةِ الصَّانِعِ بِعَظَمَةِ الْمَصْنُوعَاتِ، وَقَدْ وَحَّدَ السَّمْعَ لِأَنَّ إِدْرَاكَهُ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ هُوَ الْأَصْوَاتُ وَجَمَعَ الْبَصَرَ لِتَعَدُّدِ أَجْنَاسِ الْمُبْصَرَاتِ.
(وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) أَيْ وَمَنْ ذَا الَّذِي يَمْلِكُ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ، فَيُخْرِجُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ فِيمَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ وَتَتَجَدَّدُ، وَفِيمَا لَا تَعْرِفُونَ؟ فَمِمَّا كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ النَّبَاتَ يُخْرَجُ مِنَ الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 291
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست