responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 280
قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ: (فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) أَيْ إِذَا هُمْ يُفَاجِئُونَ النَّاسَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يَهْبِطُونَ إِلَيْهَا بِالْبَغْيِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الظُّلْمُ وَالْعُدْوَانُ وَالْإِفْسَادُ، يَمْنَعُونَ فِي ذَلِكَ وَيُصِرُّونَ عَلَيْهِ، وَأَصْلُ الْبَغْيِ طَلَبُ مَا زَادَ عَلَى الْقَصْدِ وَالِاعْتِدَالِ، إِلَى الْإِفْرَاطِ الْمُفْضِي إِلَى الْفَسَادِ وَالِاخْتِلَالِ، مِنْ بَغَى الْجُرْحُ إِذَا زَادَ حَتَّى تَرَامَى إِلَى الْفَسَادِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: بَغَتِ السَّمَاءُ، إِذَا تَجَاوَزَتْ فِي الْمَطَرِ الْحَدَّ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ لِلزَّرْعِ وَالشَّجَرِ وَإِمْدَادِ الْيَنَابِيعِ، وَبَغَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تَجَاوَزَتْ فِي بُضْعِهَا الْحَقَّ الْخَاصَّ بِالزَّوْجِ إِلَى الْفُجُورِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ كَمَا وَصَفَهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَتَكُونُ الصِّفَةُ كَاشِفَةً لِلْوَاقِعِ لِلتَّذْكِيرِ بِقُبْحِهِ وَسُوءِ حَالِ أَهْلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْبَغْيُ - وَهُوَ تُجَاوُزُ حَدِّ الِاعْتِدَالِ - بِحَقٍّ إِذَا كَانَ عِقَابًا عَلَى مِثْلِهِ أَوْ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، كَمَا يَقَعُ فِي الْحُرُوبِ وَقِتَالِ الْبُغَاةِ مِنِ اضْطِرَارِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْمُعْتَدَى عَلَيْهِمْ، إِلَى تَجَاوُزِ الْحُدُودِ فِي أَثْنَاءِ الدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ
الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) إِلَى قَوْلِهِ: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (42: 39 - 42) وَقَالَ فِي بَيَانِ أُصُولِ الْجَرَائِمِ: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (7: 33) إِلَخْ.
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) هَذَا الْتِفَاتٌ عَنْ حِكَايَةِ الْمَثَلِ إِلَى مُخَاطَبَةِ الْبُغَاةِ أَيْنَمَا كَانُوا، وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وُجِدُوا، مَبْدُوءًا بِالنِّدَاءِ الَّذِي يَصِيحُ بِهِ الْوَاعِظُ الْمُنْذِرُ بِالْبَعِيدِ فِي مَكَانِهِ، أَوِ الْغَافِلِ الَّذِي يُشْبِهُ الْغَائِبَ فِي حَاجَتِهِ إِلَى مَنْ يَصِيحُ بِهِ لِيُنَبِّهَهُ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الضَّالُّونَ عَنْ رُشْدِهِمْ، الْغَافِلُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، حَسْبُكُمْ بَغْيًا عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْكُمْ، وَغُرُورًا بِكِبْرِيَائِكُمْ وَقُوَّتِكُمْ، إِنَّمَا بَغْيُكُمْ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ لِأَنَّ عَاقِبَةَ وَبَالِهِ عَائِدَةٌ عَلَيْكُمْ، أَوْ لِأَنَّ مَنْ تَبْغُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِكُمْ أَوْ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِكُمْ، كَقَوْلِهِ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (4: 29) الْمُرَادُ بِهِ: وَلَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَالشَّرُّ دَاعِيَةُ الشَّرِّ، مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: أَيْ حَالَ كَوْنِ بَغْيِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ، فَهُوَ يَنْقَضِي وَعَقَابِيلُهُ بَاقِيَةٌ، وَأَقَلُّهَا تَوْبِيخُ الْوِجْدَانِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ((مَتَاعَ)) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمَا قَبْلَهُ وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ أَيْ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ هَذَا التَّمَتُّعِ الْقَلِيلِ تَرْجِعُونَ إِلَيْنَا وَحْدَنَا فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ دَائِمًا مِنَ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ وَالتَّمَتُّعِ بِالْبَاطِلِ مُصِرِّينَ فَنُجَازِيكُمْ بِهِ.
دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْبَغْيَ يُجَازَى أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ إِنْذَارُ أَهْلِهِ الرُّجُوعَ إِلَى اللهِ، وَإِنْبَاؤُهُ إِيَّاهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ، إِذِ الْمُرَادُ بِهِ لَازِمُهُ وَهُوَ الْجَزَاءُ بِهِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ مِثْلُهُ فِي التَّنْزِيلِ. وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَا مِنْ ذَنْبٍ يُعَجِّلُ اللهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 280
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست