responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 253
مِمَّا يَعْجِزُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْبَابِ، لِلْإِيمَانِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُسَخِّرُ لَهَا وَالْهَادِي إِلَيْهَا، وَالْقَادِرُ عَلَى تَصْرِيفِهَا، وَعَلَى الْمَنِّ بِهَا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهَا، وَالدَّعْوَى لِلشَّيْءِ تَشْمَلُ فِي اللُّغَةِ تَمَنِّيَهُ وَقَوْلَهُ وَطَلَبَهُ مِنْ مَالِكِهِ، وَادِّعَاءَ مَلَكِيَّتِهِ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا لِلَفْظِ الدَّعْوَى تَصِحُّ إِرَادَتُهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْأَخِيرَ مِنْهَا. وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ: إِنَّ مِنْ مَعَانِي الدُّعَاءِ الْعِبَادَةَ لَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِي الْعِبَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ التَّكْلِيفِيَّةِ، فَإِنَّ الصِّيَامَ لَا يُسَمَّى دُعَاءً لُغَةً وَلَا شَرْعًا، وَإِنَّمَا الدُّعَاءُ هُوَ مُخُّ الْعِبَادَةِ الْفِطْرِيَّةِ، وَأَعْظَمُ أَرْكَانِ التَّكْلِيفِيَّةِ
مِنْهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، فَكُلُّ دُعَاءٍ شَرْعِيٍّ عِبَادَةٌ، وَمَا كُلُّ عِبَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ دُعَاءٌ. وَالتَّسْبِيحُ تَنْزِيهُ اللهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسُهُ، وَكَلِمَةُ (اللهُمَّ) نِدَاءٌ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلُهُ يَا أَللَّهُ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَبْدَءُونَ كُلَّ دُعَاءٍ وَثَنَاءٍ يُنَاجُونَ بِهِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ النَّعِيمُ الرُّوحَانِيُّ، وَكُلَّ طَلَبٍ لِكَرَامَةٍ أَوْ لَذَّةٍ مِنْ لَذَّاتِ الْجَنَّةِ وَهُوَ النَّعِيمُ الْجُسْمَانِيُّ، بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ، أَيْ تَنْزِيهًا وَتَقْدِيسًا لَكَ يَا أَللَّهُ، قِيلَ: أَوْ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَأَنَّ تَحِيَّتَهُمْ فِيهَا كَلِمَةُ: سَلَامٍ الدَّالَّةُ عَلَى السَّلَامَةِ مِنَ النَّقْصِ وَالْآثَامِ، وَهِيَ تَحِيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا، وَهَذِهِ التَّحِيَّةُ تَكُونُ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ (33: 44) وَفِي سُورَةِ يس: (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (36: 58) وَتَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (9: 73) وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (16: 32) وَفِي كُلِّ وَقْتٍ يَدْخُلُونَ فِيهِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (13: 23 و24) وَتَكُونُ مِنْهُمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا) (19: 62) وَفِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) (56: 25 و26) فَإِنَّ اللَّغْوَ وَالتَّأْثِيمَ مِنْ شَأْنِ كَلَامِ الْبَشَرِ، فَلَمَّا نَفَى وُقُوعَهُمَا مِنْهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَاسْتَدْرَكَ عَلَى نَفْيِهِ بِاسْتِثْنَاءِ كَلِمَةِ سَلَامٍ مُنْقَطِعًا، تَرَجَّحَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ سَلَامَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ عَامًّا يَشْمَلُهُ. وَالْجُمْلَةُ فِي آيَتِنَا: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ تَشْمَلُ الْأَنْوَاعَ كُلَّهَا، وَإِنَّهُ لَإِيجَازٌ بَلِيغٌ غَفَلَ عَنْهُ مَنْ نَعْرِفُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ لِغَفْلَتِهِمْ عَنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَمْدَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ آخِرُ كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ دُعَاءٍ يُنَاجُونَ بِهِ اللهَ تَعَالَى، وَمَطْلَبٍ يَطْلُبُونَهُ مِنْ إِحْسَانِهِ وَإِكْرَامِهِ، كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ ثَنَائِهِمْ عَلَيْهِ عِنْدَ دُخُولِهَا. كَمَا قَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ الزُّمَرِ بَعْدَ آيَةِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (39: 74)

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 253
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست