responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 243
الْمُوَصِّلِ إِلَى كُلِّ مَا تَطْلُبُونَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّفَعَاءِ بِاسْتِحْقَاقٍ بِدُونِ عَمَلٍ مِنْكُمْ وَلَا اسْتِحْقَاقٍ لِمَا تَطْلُبُونَ مِنْهُمْ؟ .
وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ النَّاقِضَةُ لِعَقِيدَةِ الشِّرْكِ فِي الشَّفَاعَةِ، فَهِيَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ شَفِيعٌ يَشْفَعُ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ تَعَالَى إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (2: 255) وَلَيْسَ لِأَحَدٍ حَقٌّ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ تَعَالَى بِمَنْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ وَمَنْ يَقَبْلُ شَفَاعَتَهُ إِلَّا بِإِعْلَامٍ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنْهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي وَحْيِ هَذَا الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَا يَشْفَعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ بِإِذْنِهِ إِلَّا مَنِ ارْتَضَاهُ لِلشَّفَاعَةِ (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) (20: 109) وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَأْذُونَ لَهُمْ بِالشَّفَاعَةِ لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ كَانَ اللهُ تَعَالَى رَاضِيًا عَنْهُ بِإِيمَانِهِ وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ كَمَا قَالَ: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) (21: 28) مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) (39: 44) .
(ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) احْتِجَاجٌ بِمَا يُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْ وَحْدَانِيَّةِ الرُّبُوبِيَّةِ، عَلَى شِرْكِهِمْ فِي وَحْدَانِيَّةِ الْأُلُوهِيَّةِ، أَيْ ذَلِكَ الْمَوْصُوفِ بِالْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ، وَالْحِكْمَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْرِ الشَّفَاعَةِ يَأْذَنُ بِهَا لِمَنْ شَاءَ فِيمَا شَاءَ هُوَ اللهُ رَبُّكُمْ وَمُتَوَلِّي أُمُورِ الْعَالَمِ وَمِنْهَا أُمُورُكُمْ، فَاعْبُدُوهُ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَلَا مَعَهُ
أَحَدًا، لَا لِأَجْلِ الشَّفَاعَةِ، وَلَا لِأَجْلِ مَطْلَبٍ آخَرَ مِنْ مَطَالِبِكُمْ، فَالشُّفَعَاءُ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ مِنْ دُونِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ رَبُّكُمْ وَحْدَهُ، وَقَدْ هَدَاكُمْ إِلَى أَسْبَابِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ الْكَسْبِيَّةِ بِعُقُولِكُمْ وَمَشَاعِرِكُمْ وَسَخَّرَهَا لَكُمْ، وَهَدَاكُمْ إِلَى أَسْبَابِ النَّفْعِ وَالضُّرِّ الْغَيْبِيَّةِ بِوَحْيِهِ وَأَقْدَرَكُمْ عَلَيْهَا، وَكُلِّ مَا يُطْلَبُ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ فَإِنَّمَا يُطْلَبُ مِنْ أَسْبَابِهِ الَّتِي سَخَّرَهَا تَعَالَى وَبَيَّنَهَا لَكُمْ، وَمَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ أَوْ جَهِلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ تَعَالَى وَحْدَهُ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ لِلدِّينِ الْإِلَهِيِّ. أَفَلَا تَذَكَّرُونَ أَيْ أَتَجْهَلُونَ هَذَا الْحَقَّ الْمُبِينَ، فَلَا تَتَذَكَّرُونَ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَحْدَهُ، وَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِ الْمُلْكِ يُدَبِّرُ الْأُمُورَ وَحْدَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْفَعَ أَحَدٌ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، هُوَ رَبُّكُمُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَأَلَّا تَعْبُدُوا غَيْرَهُ؟ وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ، وَمَا إِنْكَارُهُ إِلَّا ضَرْبٌ مِنَ الْغَفْلَةِ عِلَاجُهَا التَّذْكِيرُ.
هَذَا الِاسْتِفْهَامُ التَّعْجِيبِيُّ مِنْ غَفْلَةِ الْمُشْرِكِينَ مُنْكِرِي الْوَحْيِ عَنْ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ مِنَ الْخَلْقِ أَحَدٌ إِلَّا رَبُّهُمْ وَخَالِقُهُمْ وَمُدَبِّرُ أُمُورِهِمْ، يُوَجَّهُ بِالْأَوْلَى إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ مِنَ الْقُبُورِيِّينَ وَعُبَّادِ الصَّالِحِينَ، كَيْفَ لَا يَتَذَكَّرُونَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَأَمْثَالَهَا كُلَّمَا شَعَرُوا بِالْحَاجَةِ إِلَى مَا عَجَزُوا عَنْهُ بِكَسْبِهِمْ مِنْ دَفْعِ ضُرٍّ أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ؟ إِذْ نَرَاهُمْ يُوَجِّهُونَ وُجُوهَهُمْ إِلَى قُبُورِ الْمَشْهُورِينَ مِنَ الصَّالِحِينَ فِي بِلَادِهِمْ، وَيَشُدُّونَ الرِّحَّالَ إِلَى مَا بَعُدَ مِنْهَا عَنْهُمْ، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهَا بِالنُّذُورِ وَيَطُوفُونَ بِهَا كَمَا يَطُوفُ الْحُجَّاجُ بِبَيْتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، دَاعِينَ مُتَضَرِّعِينَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 243
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست