responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 15
الصِّرَاطَ، وَمَا عَادَ يُؤَثِّرُ فِي كَمَالِ إِيمَانِهِمْ شَيْءٌ ; لِأَنَّ نُورَهُمْ يَمْحُو كُلَّ ظُلْمَةٍ تَطْرَأُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِإِلْمَامِهِ بِذَنْبٍ. وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُ: إِنَّ مَنِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى تَعْدِيلِهِ فِي الرِّوَايَةِ - أَيِ اعْتَمَدَا عَلَيْهِ فِي أُصُولِهِمَا الْمُسْنَدَةِ - قَدْ جَازَ قَنْطَرَةَ الْجَرْحِ، فَمَاذَا يُقَالُ فَيَمَنْ عَدَّلَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَشَهِدَ لَهُمْ بِأَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ؟ ؟ وَسَيَأْتِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى تَابَ عَلَى الْمُذْنِبِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَغَفَرَ لَهُمْ وَلِلشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِيٍّ مُنَاظَرَةٌ مَعَ نَفْسِهِ بَسَطَهَا فِي كِتَابِهِ (رُوحُ الْقُدُسِ) ذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ مُجَاوَرَتِهِ بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ حَدَثَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْإِعْجَابِ بِعِبَادَتِهَا وَمَعْرِفَتِهَا مَا دَعَاهُ إِلَى مُنَاظَرَتِهَا وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهَا بِغُرُورِهَا، فَعَرَضَهَا أَوَّلًا عَلَى الْقُرْآنِ، فَاعْتَرَفَتْ بِضَعْفِهَا عَنْ بُلُوغِ مَا قَرَّرَهُ مِنْ أَوْجِ الْكَمَالِ، فَعَرَضَهَا عَلَى سِيرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْذَرَتْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ((كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ)) وَهُوَ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ دُونِهِ
كُلُّ إِنْسَانٍ، فَعَرَضَهَا عَلَى فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ فَأَقَرَّتْ بِعَجْزِهَا عَنِ الرُّجْحَانِ فِي هَذَا الْمِيزَانِ، وَمُسَابَقَةِ مَنْ رَبَّاهُمُ الْمُصْطَفَى بِكِتَابِ اللهِ وَآيَاتِهِ، وَزَكَّاهُمْ بِحِكْمَتِهِ فَاقْتَبَسُوا نُورَهُ مِنْ مِشْكَاتِهِ، وَلَكِنَّهَا أَبَتْ أَنْ تَعْتَرِفَ لِكِبَارِ التَّابِعِينَ بِمِثْلِ هَذَا السَّبْقِ، كَانَ لَهُ مَعَهَا حِجَاجٌ فِي أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَى حَقَائِقِ عِلْمِ النَّفْسِ.
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ تَعَالَى حَالَ كَمَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ قَفَّى عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَرَدَةِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ، وَعَطْفُهُمْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَابِ عَطْفِ الضِّدِّ عَلَى الضِّدِّ، فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ بَعْضَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مُنَافِقُونَ.
قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ وَأَسْلَمَ وَغِفَارَ، كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْ كَمَا كَانَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ صَادِقُونَ دَعَا لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ نَفْسِهَا مُنَافِقِينَ أَيْضًا مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ غَيْرَ مَنْ أَعْلَمَ اللهُ وَرَسُولُهُ بِهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلْإِيمَانِ، وَقَدْ وَصَفَ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ: (مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) أَيْ مُرِّنُوا عَلَيْهِ وَحَذَقُوهُ حَتَّى بَلَغُوا الْغَايَةَ مِنْ إِتْقَانِهِ وَجَعْلِهِ بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ أَحَدٌ بِهِ لِاتِّقَائِهِمْ جَمِيعَ الْأَمَارَاتِ وَالشُّبُهَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ. يُقَالُ: مَرَدَ عَلَى الشَّيْءِ يَمْرُدُ (كَقَعَدَ يَقْعُدُ) مُرُودًا إِذَا مُرِّنَ عَلَيْهِ. وَإِذَا عَتَا وَاشْتَدَّ فِيهِ حَتَّى يَتَعَذَّرَ إِرْجَاعُهُ عَنْهُ. وَمِنَ الْأَوَّلِ الْغُلَامُ الْأَمْرَدُ الَّذِي لَمْ يَنْبُتِ الشَّعْرُ فِي وَجْهِهِ، وَالشَّجَرَةُ الْمَرْدَاءُ الَّتِي لَا وَرَقَ فِيهَا، وَمِنْهُ مَرَّدَ الشَّيْءَ تَمْرِيدًا إِذَا صَقَّلَهُ وَمَلَّسَهُ حَتَّى صَارَ أَمْلَسَ لَا حُرْشَةَ فِيهِ وَلَا خُشُونَةَ، وَمِنْهُ (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ) (27: 44) قَالَ فِي اللِّسَانِ وَتَأْوِيلُ الْمُرُودِ أَنْ يَبْلُغَ الْغَايَةَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ جُمْلَةِ مَا عَلَيْهِ الصِّنْفُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُرُودُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُرُونُ عَلَيْهِ، وَمَرَدَ عَلَى الْكَلَامِ: أَيُّ مَرُنَ عَلَيْهِ لَا يَعْبَأُ بِهِ - أَيْ لَا يُعْنَى أَنْ يَتَكَلَّفَ لَهُ - قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) ، قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ مَرَنُوا عَلَيْهِ وَجُرِّبُوا كَقَوْلِكَ: تَمَرَّدُوا، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَرَدُ التَّطَاوُلُ بِالْكِبْرِ وَالْمَعَاصِي وَمِنْهُ قَوْلُهُ (مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) أَيْ تَطَاوَلُوا. اهـ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 15
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست