responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 119
وَهُوَ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ) (7: 63 و69) وَهَذَا الْمَعْنَى مُكَرَّرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ دَحَضْنَا هَذِهِ الشُّبْهَةَ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) ((أَنْ)) هَذِهِ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَالْإِنْذَارُ الْإِعْلَامُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ وَسَائِرِ مَقَاصِدِ الدِّينِ الْمُقْتَرِنِ بِالتَّخْوِيفِ مِنْ عَاقِبَةِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، أَيْ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ بِأَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ كَافَّةً (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) التَّبْشِيرُ مُقَابِلُ الْإِنْذَارِ، أَيِ الْإِعْلَامُ الْمُقْتَرِنُ بِالْبِشَارَةِ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَالْمَعْنَى وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ خَاصَّةً (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يَجْزِيهِمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ - وَالصِّدْقُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ ضِدُّ الْكَذِبِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْإِيمَانِ وَصِدْقِ النِّيَّةِ وَالْوَفَاءِ وَسَائِرِ مَوَاقِفِ الْفَضَائِلِ، وَمِنْهُ فِي التَّنْزِيلِ (مَقْعَدِ صِدْقٍ) (54: 55) وَ (مُدْخَلَ صِدْقٍ) (17: 80) وَ (مُخْرَجَ صِدْقٍ) (17: 80) وَ (قَدَمَ صِدْقٍ) وَالْقَدَمُ هَاهُنَا السَّابِقَةُ وَالتَّقَدُّمُ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: سَابِقَةٌ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ سُمِّيَتْ قَدَمًا لِأَنَّ السَّبْقَ بِهَا كَمَا سُمِّيَتِ النِّعْمَةُ يَدًا لِأَنَّهَا تُعْطَى بِالْيَدِ، وَإِضَافَتُهَا إِلَى الصِّدْقِ لِتَحَقُّقِهَا، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَنَالُونَهَا بِصِدْقِ الْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ (قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكُوفِيُّونَ (لَسَاحِرٌ) يَعْنُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْبَاقُونَ (لَسِحْرٌ) وَيَعْنُونَ بِهِ الْقُرْآنَ، وَكُلًّا مِنَ الْقَوْلَيْنِ قَدْ قَالُوا، وَكُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ يُشِيرُ إِلَى إِثْبَاتِ رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّ قَوْلَهُمْ إِنَّ الْقُرْآنَ سِحْرٌ جَاءَ بِهِ سَاحِرٌ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَهُمْ بِأَنَّهُمَا فَوْقَ الْمَعْهُودِ وَالْمَعْلُومِ لِلْبَشَرِ فِي عَالَمِ الْأَسْبَابِ الْمَقْدُورَةِ لَهُمْ، وَتَأْكِيدُ قَوْلِهِمْ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَإِنَّ وَاللَّامِ، وَبِوَصْفِ السِّحْرِ أَوِ
السَّاحِرِ بِالْمُبِينِ الظَّاهِرِ يُفِيدُ الْحَصْرَ كَقَوْلِ الْوَلِيدِ (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَسَمَّوْهُ سِحْرًا لِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ بِقُوَّةِ تَأْثِيرِهِ فِي الْقُلُوبِ وَجَذْبِهِ لِلنُّفُوسِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَحَمْلِهَا عَلَى احْتِقَارِ الْحَيَاةِ وَلَذَّاتِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، حَتَّى إِنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَزَوْجِهِ وَبَنِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ، وَتَمْنَعُهُ وَتَحْمِيهِ. وَإِنَّمَا السِّحْرُ مَا كَانَ بِأَسْبَابٍ خَفِيَّةٍ خَاصَّةٍ بِبَعْضِ النَّاسِ يَتَعَلَّمُهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَهِيَ إِمَّا حِيَلٌ وَشَعْوَذَةٌ، وَإِمَّا خَوَاصُّ طَبِيعِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ مَجْهُولَةٌ لِلْجَمَاهِيرِ، وَإِمَّا تَأْثِيرُ قُوَى النَّفْسِ وَتَوْجِيهُ الْإِرَادَةِ، وَكُلُّهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْكَثِيرِينَ مِنَ الْعَارِفِينَ بِهَا وَقَدِ اسْتَبَانَ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ ثُمَّ لِغَيْرِهِمْ مِنْ شُعُوبِ الْعَجَمِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِسِحْرٍ يُؤْثَرُ بِالتَّعْلِيمِ وَالصِّنَاعَةِ، بَلْ هُوَ مَجْمُوعَةُ عُلُومٍ عَالِيَةٍ فِي الْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ وَالتَّشْرِيعِ وَالِاجْتِمَاعِ مُرَقِّيَةٌ لِلْعُقُولِ، مُزَكِّيَةٌ لِلْأَنْفُسِ، مُصْلِحَةٌ لِلنَّاسِ، وَأَنَّهُ مُعْجِزٌ لِلْبَشَرِ فِي أُسْلُوبِهِ وَنَظْمِهِ وَمَعَانِيهِ وَهِدَايَتِهِ وَتَشْرِيعِهِ وَإِخْبَارِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست