responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 69
الشَّهِيرَةِ؟ رَوَى الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ الْجُمُوعَ الَّتِي جَمَعَهَا هِرَقْلُ لِلْمَعْرَكَةِ الْفَاصِلَةِ فِيهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرَبِ مِنَ الرُّومِ وَالشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَأَرْمِينِيَّةَ كَانَتْ
زُهَاءَ مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَكَانَ يَأْتِيهَا الْمَدَدُ خَشْيَةَ الْهَزِيمَةِ، وَكَانَ عَدَدُ جَيْشِ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَرَوَوْا أَنَّ قَتْلَى الرُّومِ بَلَغَتْ سَبْعِينَ أَلْفًا - فَمَنْ شَكَّ أَوْ مَارَى فِي الْعَدَدِ فِي هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَعَارِكِ الْفَاصِلَةِ الْمُعَيَّنَةِ، فَهَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُمَارِيَ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرِكِ فِي جُمْلَةِ الْمَعَارِكِ الَّتِي فَتَحَ بِهَا الصَّحَابَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ تِلْكَ الْمَمَالِكَ الْوَاسِعَةَ عَلَى قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَكَوْنِهِمْ كَانُوا فِي مَجْمُوعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَقَلَّ مِنْ عُشْرِ أَعْدَائِهِمْ؟ أَنَّى وَهُوَ عَيْنُ التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي يُفِيدُ عِلْمَ الْيَقِينِ؟ !
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْغَلَبِ: بِإِذْنِ اللهِ فَقَدْ فَسَّرُوهُ هُنَا بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ تَعَالَى، وَأَصْلُ الْإِذْنِ فِي اللُّغَةِ إِبَاحَةُ الشَّيْءِ وَالرُّخْصَةُ فِي فِعْلِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الشَّأْنُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا فَيَكُونُ حَاصِلُ الْإِذْنِ إِزَالَةَ الْمَنْعِ، وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْقَوْلِ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْفِعْلِ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَالْإِذْنُ مِنَ اللهِ تَعَالَى إِمَّا أَمْرُ تَكْلِيفٍ أَوْ إِبَاحَةٍ وَتَرْخِيصٍ وَهُوَ مِنْ مُتَعَلَّقِ صِفَةِ الْكَلَامِ. فَالْأَوَّلُ - كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا (22: 39) وَقَوْلِهِ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ (4: 64) وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (2: 255) وَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ (11: 105) وَقَوْلِهِ: وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ (33: 46) - وَإِمَّا أَمْرُ تَكْوِينٍ أَيْ بَيَانٍ لِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى أَوْ فِعْلِهِ أَوْ تَقْدِيرِهِ أَوْ إِقْدَارِهِ لِمَنْ شَاءَ عَلَى مَا شَاءَ فَيَكُونُ مِنْ مُتَعَلَّقِ الْإِرَادَةِ وَمِنْ مُتَعَلَّقِ الْقُدْرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِلْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي (5: 110) وَقَوْلِهِ: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ (7: 58) أَيْ بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَوْلِهِ: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ (2: 249) أَيْ بِأَقْدَارِهِ وَمَعُونَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ، وَفِي مَعْنَاهَا هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، وَقَدْ خَتَمَ كُلًّا مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (2: 249) وَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ لَا نُدْرِكُ حَقِيقَتَهَا وَكُنْهَهَا، وَإِنَّمَا نَعْلَمُ عِلْمَ يَقِينٍ أَنَّ مَنْ كَانَ اللهُ تَعَالَى مَعَهُ فَهُوَ الْغَالِبُ الْمَنْصُورُ وَلَنْ يَغْلِبَهُ أَحَدٌ، فَنُفَسِّرُهَا بِمَعِيَّةِ الْمَعُونَةِ وَالنَّصْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ مِثْلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْآيَةِ 46 مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فِي
سِيَاقِ الْحَرْبِ وَغَزْوَةِ بَدْرٍ، وَقَدْ أَحَلْتُ فِيهِ عَلَى تَفْسِيرِ مِثْلِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (2: 153) وَقَدْ قُلْتُ هُنَاكَ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمْ يَقُلْ مَعَكُمْ، لِيُفِيدَ أَنَّ مَعُونَتَهُ إِنَّمَا تَمُدُّهُمْ إِذَا صَارَ الصَّبْرُ وَصْفًا لَازِمًا لَهُمْ. وَمِنَ الْمُفِيدِ أَنْ يُرَاجِعَ الْقَارِئُ تَفْسِيرَ تِلْكَ الْآيَةِ [فِي ص30 وَمَا بَعْدَهَا ج 2 طَ الْهَيْئَةِ] فَإِنَّهُ يُفِيدُ فِي إِتْمَامِ مَعْنَى مَا هُنَا.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ آيَةَ الْعَزِيمَةِ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الرُّخْصَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بِدَلِيلِ التَّصْرِيحِ بِالتَّخْفِيفِ فِيهَا، وَلَكِنَّ الرُّخْصَةَ لَا تُنَافِي الْعَزِيمَةَ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ عُلِّلَتْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 69
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست