responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 433
فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ تُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الزَّكَاةُ. وَقَدْ قَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِعُمَرَ لَمَّا قَالَ لَهُ يُعْطَى مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْهُ: " مَا أَتَاكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ " كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ اهـ.
أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَحَدِيثُ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ يُفَسِّرُهُ حَدِيثُ ابْنُ السَّعْدِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ عُمَالَةٌ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَجَّحَ آخَرُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَطَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْغَنَائِمِ، وَفِيهِ: أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ صَرِيحٌ فِيهِ. وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: " خُذْهُ، إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ ".
قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ مِنَ الْفَتْحِ: قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّدَقَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي يُقَسِّمُهَا الْإِمَامُ، وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ جِهَةِ الْفَقْرِ، وَلَكِنْ مِنَ الْحُقُوقِ، فَلَمَّا قَالَ عُمَرُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ لِمَعْنًى غَيْرِ الْفَقْرِ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: " خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الصَّدَقَاتِ.
" وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: " فَخُذْهُ " بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ، فَقِيلَ: هُوَ نَدْبٌ لِكُلِّ مَنْ أُعْطِيَ عَطِيَّةً أَبَى قَبُولَهَا كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، يَعْنِي بِالشَّرْطَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِالسُّلْطَانِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي السُّنَنِ " إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ ذَا سُلْطَانٍ " وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَحْرُمُ قَبُولُ الْعَطِيَّةِ مِنَ السُّلْطَانِ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يُكْرَهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْعَطِيَّةُ مِنَ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ، أَوِ الْكَرَاهَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوَرَعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ تَصَرُّفِ السَّلَفِ وَاللهُ أَعْلَمُ، وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ عُلِمَ كَوْنُ مَالِهِ حَلَالًا فَلَا تُرَدُّ عَطِيَّتُهُ، وَمَنْ عُلِمَ كَوْنُ مَالِهِ حَرَامًا فَتَحْرُمُ عَطِيَّتُهُ، وَمَنْ شُكَّ فِيهِ فَالِاحْتِيَاطُ رَدُّهُ وَهُوَ الْوَرَعُ، وَمَنْ أَبَاحَهُ أَخَذَ بِالْأَصْلِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَاحْتَجَّ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْيَهُودِ: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ (5: 42) وَقَدْ رَهَنَ الشَّارِعُ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ: إِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ إِذَا رَأَى لِذَلِكَ وَجْهًا وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَحْوَجَ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَأَنَّ رَدَّ عَطِيَّةِ الْإِمَامِ لَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ، وَلَا سِيَّمَا مِنَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ (59: 7) الْآيَةَ اهـ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 433
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست