responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 215
الْمُوَافِقَةَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي كِتَابِهِ (مَدَارِجِ السَّالِكِينَ) الَّذِي شَرَحَ بِهِ كِتَابَ (مَنَازِلِ السَّائِرِينَ) تَأْلِيفَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي الْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيِّ قَدَّسَ اللهُ أَرْوَاحَهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَإِنَّنَا نُتِمُّ فَائِدَةَ هَذَا الْبَحْثِ بِالتَّنْبِيهِ إِلَى أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ; لِزَيْغِ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ عَنْ صِرَاطِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، مَعَ اعْتِرَافِ جَمِيعِ أَئِمَّةِ شُيُوخِهِمْ بِأَنَّهُمَا أَصْلُ طَرِيقَتِهِمْ، وَالْبَحْرُ الَّذِي تُسْتَخْرَجُ مِنْهُ جَمِيعُ دُرَرِ حَقَائِقِهِمْ، وَهُوَ أَنَّ مَنِ اشْتَغَلَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ الطُّرُقِ إِلَى مَعْرِفَةِ اللهِ وَحُبِّهِ يَحْصُلُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِ الْكَوْنِ وَالْمُشَاهَدَاتِ وَالْأَذْوَاقِ الرُّوحِيَّةِ مَا يَفْتِنُهُ بِنَفْسِهِ وَبِخَوَاطِرِهِ وَذَوْقِهِ، فَيَتَوَهَّمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَشْعُرُ بِهِ وَيَتَخَيَّلُهُ حَقِيقَةٌ أَثْبَتَهَا الْكَشْفُ، كَمَا يَفْتِنُهُ بِنَفْسِهِ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْفَلْسَفَةِ النَّظَرِيَّةِ بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ فَيَظُنُّونَ أَنَّهَا حَقَائِقُ أَثْبَتَهَا الْعَقْلُ، وَكُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الْمَفْتُونَيْنِ يَظُنُّ أَنَّ مَا عِنْدَهُ هُوَ الْحَقِيقَةُ، وَإِنْ خَالَفَ نُصُوصَ الشَّرِيعَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا فَيَكُونَ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَإِمَّا أَنْ يَتَأَوَّلَهَا فَيَكُونَ مِنَ الْمُبْتَدِعِينَ، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَأَنَّ كَلَامَهُمْ يُنَاقِضُ بَعْضَهُ بَعْضًا، حَتَّى مَا يُسَمُّونَهُ كَشْفًا، أَوْ تَلَقِيًّا مِنْ مَلَكِ الْإِلْهَامِ،
أَوْ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْيَقَظَةِ أَوِ الْمَنَامِ. وَقَدْ أَبْطَلَتِ الْعُلُومُ الْعَصْرِيَّةُ أُصُولَ فَلْسَفَتِهِمُ الْمَادِّيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ.
وَلِلصُّوفِيَّةِ الشَّرْعِيِّينَ فِي حُبِّ اللهِ مَنَازِلُ عَالِيَةٌ وَمَقَامَاتٌ رَاسِخَةٌ. وَمَعَارِفُ وَاسِعَةٌ فِي حُبِّ كُلِّ شَيْءٍ بِحُبِّ اللهِ مَعَ إِعْطَاءِ الشَّرْعِ حَقَّهُ فِيمَا يُبْغِضُ اللهُ: وَمَا يُحِبُّ اللهُ. قَالَتْ رَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ رَحِمَهَا اللهُ:
أُحِبُّكَ حُبَّيْنِ حُبَّ الْهَوَى ... وَحُبًّا لِأَنَّكَ أَهْلٌ لِذَاكَا
فَأَمَّا الَّذِي هُوَ حُبُّ الْهَوَى ... فَشَيْءٌ شُغِلْتُ بِهِ عَنْ سِوَاكَا
وَأَمَّا الَّذِي أَنْتَ أَهْلٌ لَهُ ... فَكَشْفُكَ لِيَ الْحُجْبَ حَتَّى أَرَاكَا
وَالَّذِي نَفْهَمُهُ مِنْ هَذَا الشِّعْرِ أَنَّ الْحُبَّ الْأَوَّلَ هُوَ حُبُّ الْعُبُودِيَّةِ، وَهِيَ حَيْرَةٌ شَاغِلَةٌ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهَا. وَالثَّانِي حُبُّ الْمَعْرِفَةِ وَغَايَتُهَا رَفْعُ الْحُجُبِ الْكَثِيرَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ كَمَالِهَا إِلَى أَنْ تَكْمُلَ بِكَرَامَةِ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْمَعْنَى وَهَذِهِ الْحُجُبَ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الرُّؤْيَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ يُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ كَتَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ وَيَقُولُ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّهُ يَعُدُّهُ كَالْمَيِّتِ حَتَّى لَا يُنَازِعَ حُبُّهُ حُبَّ اللهِ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ، وَإِذَا أَحْبَبْتَ أَنْ تَعْرِفَ الصَّحِيحَ الشَّرْعِيَّ مِنْ هَذَا الْحُبِّ فَعَلَيْكَ بِمَدَارِجِ السَّالِكِينَ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 215
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست