responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 212
وَصْلٌ فِي كَمَالِ حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ وَطَرِيقِ اكْتِسَابِهِ
مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى فِي دِينِ الْفِطْرَةِ أَنَّهُ لَمْ يَذُمَّ حُبَّ الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَزْوَاجِ، وَلَا حُبَّ الْمَالِ وَالْكَسْبِ وَالاتِّجَارِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ مِنْ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ إِيثَارَ حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ عَلَى حُبِّ مَا ذَكَرَ، وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ إِذَا وَجَبَ، كَمَا كَانَتِ الْحَالُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا مُنْتَهَى التَّسَامُحِ فِي الدِّينِ دُونَ تَكْلِيفِ بُغْضِ مَا ذَكَرَ فَكَيْفَ وَقَدْ أَبَاحَ الْإِسْلَامُ مَعَهُ بِرَّ الْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ، وَالْعَدْلَ وَالْقِسْطَ فِي مُعَامَلَتِهِ فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ (60: 8، 9) وَتَقَدَّمَ الِاسْتِشْهَادُ بِهِ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَخَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ بِطَانَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَأْلُونَهُمْ خَبَالًا إِلَخْ: هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ (3: 119) وَأَبَاحَ لَهُمْ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّاتِ عَلَى مَا فَطَرَ عَلَيْهِ الْقُلُوبَ مِنْ حُبِّ الزَّوْجِيَّةِ وَقَوْلُهُ: وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (30: 21) .
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الْحُبِّ الْمَشْرُوحِ فِي الْآيَةِ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا - وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ - مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا. وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ
وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ " فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " الْآنَ يَا عُمَرُ ".
وَقَدْ حَمَلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْإِيمَانِ الْكَامِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حُبُّ الطَّبْعِ الَّذِي لَا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ ; إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ حُبَّ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ وَالْإِجْلَالِ شَرْطٌ أَوْ شَطْرٌ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَبِرِسَالَتِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا صَيْرُورَتُهُ وِجْدَانًا مِنْ قَبِيلِ حُبِّ الطَّبْعِ، وَغَلَبَتِهِ عَلَى حُبِّ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى النَّفْسُ، فَهُوَ كَمَالٌ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ الرُّسُوخِ فِي الْإِيمَانِ، وَهُوَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، فَكَثِيرٌ مِنَ الْعُشَّاقِ لِلْحِسَانِ يَصِلُونَ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ، وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْحِسَانِ غَيْرُ أَهْلٍ لِعُشْرِ هَذَا الْحُبِّ، لَوْلَا أَنَّهُ مِنْ أَمْرَاضِ النَّفْسِ، فَأَيْنَ مِنْهُ حُبُّ مَنْ هُوَ مَصْدَرٌ لِكُلِّ جَمَالٍ وَكَمَالٍ وَحُسْنٍ وَإِحْسَانٍ، يَتَجَلَّى فِي كُلِّ مَا عَرَفَ الْبَشَرُ مِنْ نِظَامِ الْأَكْوَانِ، وَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيلَ؟ ! .

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست