responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 208
لِلِاسْتِغْلَالِ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ إِذْ يَظْهَرُ مِنْ طَبِيعَةِ الْأَحْوَالِ أَنَّ ذَلِكَ قَدِيمٌ، وَهَذَا النَّوْعُ يَكُونُ مُعَطَّلًا بِمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْحَجِّ وَهُوَ مَا بَلَغُوهُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ.
فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ مِنْ حُبِّ الْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمَنَافِعِ وَالْمَرَافِقِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ مَعَايِشِ النَّاسِ، قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَجْعَلَ الْقِتَالَ مَكْرُوهًا فَوْقَ الْكُرْهِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ ذَاتُهُ الْوَحْشِيَّةُ، وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ مُفَارَقَةِ هَذِهِ الْمَحْبُوبَاتِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا ; وَلِذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي يُرَجَّحُ بِهَا الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ عَلَى الْإِحْجَامِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ (2: 216) الْآيَةَ، وَكَقَوْلِهِ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ (2: 251) وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ حِكْمَةِ تَشْرِيعِ الْقِتَالِ، وَكَوْنِهِ بِحُسْنِ الْقَصْدِ وَالشُّرُوطِ الَّتِي يُوجِبُهَا الْإِسْلَامُ أَعْظَمَ مُزِيلٍ لِلْفَسَادِ، وَمُصْلِحٍ لِأَمْرِ الْعِبَادِ، فَرَاجِعْهُ إِنْ كَانَ غَابَ عَنْكَ فَهُوَ يُفِيدُ فِي فَهْمِ مَا هُنَا. وَزِدْ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ إِيثَارُهُ مِنْ حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ عَلَى كُلِّ حُبٍّ، وَتَقْدِيمِ كُلِّ جِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ عَلَى كُلِّ مَنْفَعَةٍ فِي الْأَرْضِ.
أَمَّا حُبُّ اللهِ تَعَالَى - أَيْ حُبُّ عَبْدِهِ لَهُ - فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ كُلِّ حُبٍّ ; لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُتَّصِفُ وَحْدَهُ بِكُلِّ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُحَبَّ مِنْ جَمَالٍ وَكَمَالٍ، وَبِرٍّ وَإِحْسَانٍ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ وَمَا يُحَبُّ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ مِنْ صُنْعِهِ وَفَيْضِ جُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَمَظْهَرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ، فَمِنَ الطَّبِيعِيِّ الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ حُبُّ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ عَطْفٍ وَأَمَلٍ، شُعْبَةً مِنْ حُبِّ وَاهِبِهِ، وَمُودِعِ الْعَطْفِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَلْبِ وَالِدَيْهِ لَهُ. وَأَنْ يَكُونَ حُبُّ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَمُرَبِّيهِ عِنْدَمَا يَعْقِلُ جُزْءًا مِنْ حُبِّ رَبِّهِ الَّذِي سَخَّرَهُ لَهُ، وَسَاقَهُ بِغَرِيزَةِ الْفِطْرَةِ وَحُكْمِ الشَّرِيعَةِ لِتَرْبِيَتِهِ، وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، الْمُرَبِّي الْحَقُّ لِكُلِّ حَيٍّ، بِسُنَنِهِ فِي الْغَرَائِزِ وَالْقُوَى وَالْأَخْلَاقِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَعْمَالِ، وَهُوَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَلَفُ وَالْعِوَضُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِيَتِيمِهِ، وَمَنْ كُلِّ وَلَدٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ حُبُّ الْأَخِ لِأَخِيهِ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى، وَكَذَلِكَ حُبُّ الزَّوْجِ لِلزَّوْجِ لَا يَشِذُّ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، فَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَهُوَ الَّذِي أَوْدَعَ الْمَحَبَّةَ الزَّوْجِيَّةَ فِي الْأَنْفُسِ، وَلَمْ يَخُصَّهَا بِفَرْدٍ مُعَيَّنٍ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (30: 21) وَحُبُّ الْعَشِيرَةِ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِالدُّخُولِ فِي عُمُومِهَا، فَإِنَّ الْبَاعِثَ عَلَيْهِ التَّعَاوُنُ وَالتَّنَاصُرُ بِوَشِيجَةِ الْقَرَابَةِ، وَقَدْ حَلَّ مَحَلَّهَا فِي الْإِسْلَامِ مَا هُوَ أَقْوَى
وَأَعْظَمُ، وَهُوَ تَنَاصُرُ أَهْلِ الْمِلَّةِ الْكَبِيرَةِ بِمُقْتَضَى أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَنَصِيرُهُمْ بِوَجْهٍ أَخَصَّ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ (3: 126) بِالْوَجْهِ الْأَعَمِّ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 208
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست