responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 179
حَكَى عَنْهُ هَذَا الْجَوَابَ الرَّازِيُّ مُدْرِهُ الْأَشَاعِرَةِ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَةِ وَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَهُ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِمَا خُلَاصَتُهُ أَنَّهُمْ يَلْتَزِمُونَ كُلَّ مَا أَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ اعْتِقَادًا، وَإِنْ كَانُوا لَا يَنْطِقُونَ بِهِ أَدَبًا مَعَ اللهِ تَعَالَى، وَالرَّازِيُّ جَبْرِيٌّ قُحٌّ، وَلَا يَلْتَزِمُ كُلُّ الْأَشَاعِرَةِ مَا يَلْتَزِمُهُ، وَيُسْنِدُهُ إِلَيْهِمْ، فَهَذَا الْبَيْضَاوِيُّ مِنْ فَحُولِهِمْ يُفَسِّرُ تَعْذِيبَ الْمُشْرِكِينَ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِتَمْكِينِهِمْ مِنْهُمْ، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ تَفْنِيدُ الْمَذْهَبَيْنِ، وَبَيَانُ أَنَّ خَلْقَهُ تَعَالَى لِكُلِّ شَيْءٍ لَا يُنَافِي خَلْقَهُ الْإِرَادَةَ وَالِاخْتِيَارَ لِلْعِبَادِ فِيمَا أَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَفْعَالِ، وَإِنَّمَا أَعَدْنَاهُ هُنَا؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْمُجْبِرَةِ فِي جُمْلَةِ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ أَقْوَى مِنْهَا فِي كُلِّ مَا سَبَقَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الْجَبْرِ، وَسَيَأْتِي مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (56: 63 و64) وَفَهْمُ الْقُرْآنِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا إِلَّا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَاتِ الْمُتَقَابِلَةِ فِي الْمَوْضُوعِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَخْتَلِفُ التَّعْبِيرُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْوُجُوهِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الَّتِي ضَلَّتِ الْفِرَقُ بِنَظَرِ كُلٍّ مِنْهَا إِلَى إِحْدَاهَا دُونَ الْأُخْرَى مُطْلَقًا، أَوْ جَعْلِهَا مَا وَافَقَ مَذْهَبَهَا أَصْلًا يَرُدُّ غَيْرَهُ إِلَيْهِ بِالتَّأْوِيلِ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا، وَمَثَلُ الْجَبْرِيَّةِ مَعَ الْقَدَرِيَّةِ هُنَا كَمَثَلِ الْمُرْجِئَةِ مَعَ الْوَعِيدِيَّةِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ آيَاتِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (15: 91) وَضَرَبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ.
وَالَّذِي حَقَّقْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِرَارًا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْحِسِّ وَالْوِجْدَانِ، وَبِالْمِئَاتِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، أَنَّ لِلنَّاسِ أَفْعَالًا يَأْتُونَهَا بِإِرَادَتِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ تُسْنَدُ إِلَيْهِمْ، وَيُشْتَقُّ مِنْهَا صِفَاتٌ لَهُمْ، وَيَسْتَحِقُّونَ الْجَزَاءَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى هُوَ الَّذِي أَعْطَاهُمُ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ وَالِاخْتِيَارَ، كَمَا أَعْطَاهُمُ الْأَعْضَاءَ وَالْحَوَاسَّ، وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ لَهُمْ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَعْمَالُهُمْ فِي مَعَايِشِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ، وَهُوَ يُسْنِدُ إِلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَعْمَالَ، وَيَصِفُهُمْ بِهَا فِي
مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْمَقَامَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي هَذَا الْإِسْنَادَ أَوِ الْوَصْفَ، وَيُسْنِدُ بَعْضَهَا إِلَى ذَاتِهِ وَإِلَى مَشِيئَتِهِ، وَيَصِفُ نَفْسَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَصْفُهُ مِنْهَا فِي الْمَقَامَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي ذَلِكَ، فَكَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (56: 64) قَالَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ (48: 29) وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ. وَوَصْفُ الزَّارِعِ لَمْ يَرِدْ فِي أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى، وَلَا فِي صِفَاتِهِ مُسْتَقِلًّا. كَمَا أَنَّهُ لَا يُوصَفُ تَعَالَى بِأَمْثَالِهِ مِنْ صِفَاتِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَلَا تُسْنَدُ إِلَيْهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَأَخَصِّ أَفْعَالِ الضَّعْفِ وَالنَّقْصِ كَالنَّوْمِ وَالتَّعَبِ وَالْأَلَمِ، وَإِنَّمَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ تَعَالَى بَعْضُ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي لَا نَقُصُّ فِيهَا بِأُسْلُوبِ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَتَقْرِيرِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَقَوْلِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِهِمْ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى بَعْثِهِمْ مِنْ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (56: 58 و59) إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. فَاسْتَدَلَّ أَوَّلًا بِخَلْقِهِ لِلْمَنِيِّ الَّذِي يُولَدُونَ مِنْهُ فَأَسْنَدَ إِلَيْهِمْ فِعْلَ إِخْرَاجِهِ بِالْجِمَاعِ وَإِلَى ذَاتِهِ خَلْقَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 179
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست