responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 135
فَيَجِبُ
الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ بِإِيجَابِهِ، كَيْفَ وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْمِيثَاقِ، مَنْ كَانُوا أَجْدَرَ بِالْوَفَاءِ وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ! .
هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ مَا جَاءَتْ بِهِ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ نَبْذِ عُهُودِهِمِ الْمُطْلَقَةِ، وَإِتْمَامِ مُدَّةِ عَهْدِهِمُ الْمُؤَقَّتَةِ لِمَنِ اسْتَقَامَ مِنْهُمْ عَلَيْهَا، وَأَمَّا حِكْمَةُ ذَلِكَ فَهِيَ مَحْوُ بَقِيَّةِ الشِّرْكِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ بِالْقُوَّةِ، وَجَعْلُهَا خَالِصَةً لِلْمُسْلِمِينَ، مَعَ مُرَاعَاةِ الْأُصُولِ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ (2: 190) وَقَوْلِهِ: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا (8: 61) بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ قَالَ الْجُمْهُورُ بِنَسْخِ هَذَا بِآيَةِ السَّيْفِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَنَبْذِ عُهُودِ الشِّرْكِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي تَفْسِيرِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْبَرَاءَةُ مَصْدَرُ بَرِئَ (كَتَعِبَ) مِنَ الدَّيْنِ إِذَا أُسْقِطَ عَنْهُ، وَمِنَ الذَّنْبِ وَنَحْوِهِ إِذَا تَرَكَهُ وَتَنَزَّهَ عَنْهُ، أَيْ: هَذِهِ بَرَاءَةٌ وَاصِلَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. كَمَا تَقُولُ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ. قَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْبُرْءِ وَالْبَرَاءِ وَالتَّبَرِّي: التَّفَصِّي مِمَّا يُكْرَهُ مُجَاوَرَتُهُ، أَيْ أَوْ مُلَابَسَتُهُ. أُسْنِدَ التَّبَرِّي إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ جَدِيدٌ شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى، وَأَمَرَ رَسُولَهُ بِتَبْلِيغِهِ وَتَنْفِيذِهِ، وَأَسْنَدَ مُعَاهَدَةَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ هُوَ الَّذِي عَقَدَهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا عَقَدَهُ بِصِفَةِ كَوْنِهِ الْإِمَامَ وَالْقَائِدَ الْعَامَّ لَهُمْ، وَهُوَ عَقْدٌ يُنَفَّذُ بِمُرَاعَاتِهِمْ لَهُ وَعَمَلِهِمْ بِمُوجَبِهِ، كَمَا يُسْنِدُ تَعَالَى إِلَى الْجَمَاعَةِ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ، حَتَّى مَا كَانَ الْخِطَابُ فِي أَوَّلِ آيَاتِهِ لَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (65: 1) إِلَخْ. فَجُمْهُورُ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الَّذِينَ يُنَفِّذُونَ أَحْكَامَ الْمُعَاهَدَاتِ، وَلِقُوَّادِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَأُمَرَاءِ السَّرَايَا الِاجْتِهَادُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْهَا، وَمِنْ أَحْكَامِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُنْسَبُ ذَلِكَ فِي تَفْصِيلِهِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ إِحَاطَةُ النُّصُوصِ بِفُرُوعِهِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْقُوَّادَ إِذَا نَزَلُوا حِصْنًا فَطَلَبَ أَهْلُهُ مِنْهُمُ النُّزُولَ عَلَى حُكْمِ اللهِ وَرَسُولِهِ
أَلَّا يُنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِهِمَا وَذِمَّتِهِمَا، وَأَمَرَ بِأَنْ يُنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِهِمْ وَذِمَّتِهِمْ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ.
وَالْمُعَاهَدَةُ عَقْدُ الْعَهْدِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى شُرُوطٍ يَلْتَزِمُونَهَا، وَكَانَ اللَّذَانِ يَتَوَلَّيَانِهَا مِنْهُمَا يَضَعُ أَحَدُهُمْ يَمِينَهُ فِي يَمِينِ الْآخَرِ، وَكَانُوا يُؤَكِّدُونَهَا وَيُوَثِّقُونَهَا بِالْأَيْمَانِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ أَيْمَانًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمُشْرِكِينَ: إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ (9: 12) .
قَالَ نَاصِرُ السُّنَّةِ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى تَبُوكَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَرْجُفُونَ الْأَرَاجِيفَ، وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَنْقُضُونَ عُهُودًا كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِنَقْضِ عُهُودِهِمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 135
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست