responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 6
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابَهُ هُدًى وَنُورًا، لِيُعَلِّمَكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيَكُمْ، وَيُعِدَّكُمْ لِمَا يَعِدُكُمْ بِهِ مِنْ سَعَادَتَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يُنْزِلْهُ قَانُونًا دُنْيَوِيًّا جَافًّا كَقَوَانِينِ الْحُكَّامِ، وَلَا كِتَابًا طِبِّيًّا لِمُدَاوَاةِ الْأَجْسَامِ، وَلَا تَارِيخًا بَشَرِيًّا لِبَيَانِ الْأَحْدَاثِ وَالْوَقَائِعِ، وَلَا سِفْرًا فَنِّيًّا لِوُجُوهِ الْكَسْبِ وَالْمَنَافِعِ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا جَعَلَهُ تَعَالَى بِاسْتِطَاعَتِكُمْ، لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وَحْيٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَهَذَا بَعْضٌ مِمَّا وَصَفَ اللهُ تَعَالَى بِهِ كِتَابَهُ فِي مُحْكَمِ آيَاتِهِ تَدَبَّرَهَا سَلَفُكُمُ الصَّالِحُ وَاهْتَدَوْا بِهَا، فَأَنْجَزَ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا قَبْلَ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (24: 55) وَفِي قَوْلِهِ: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (30: 47) ، وَقَوْلِهِ: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) (4: 141) ، وَقَوْلِهِ: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (63: 8) ، وَقَوْلِهِ: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (3: 139) .
وَعَدَهُمُ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الْوُعُودَ فِي حَالِ قِلَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ، وَأَنْجَزَ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ بِمَا قَضَاهُ وَجَعَلَهُ أَثَرًا لِلِاهْتِدَاءِ بِالْقُرْآنِ.
هَدَى اللهُ تَعَالَى بِهَذَا الْقُرْآنِ الْعَرَبَ، وَهَدَى بِدَعْوَتِهِمْ إِلَيْهِ أَعْظَمَ شُعُوبِ الْعَجَمِ، فَكَانُوا بِهِ أَئِمَّةَ الْأُمَمِ، فَبِالِاهْتِدَاءِ بِهِ قَهَرُوا أَعْظَمَ دُوَلِ الْأَرْضِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ. دَوْلَةَ الرُّومِ (الرُّومَانِ) وَدَوْلَةَ الْفُرْسِ، فَهَذِهِ مَحَوْهَا مِنْ لَوْحِ الْوُجُودِ بِهَدْمِ سُلْطَانِهَا وَإِسْلَامِ شَعْبِهَا، وَتِلْكَ سَلَبُوهَا مَا كَانَ خَاضِعًا لِسُلْطَانِهَا مِنْ مَمَالِكِ الشَّرْقِ وَشُعُوبِهِ الْكَثِيرَةِ، ثُمَّ فَتَحُوا الْكَثِيرَ مِنْ مَمَالِكِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ حَتَّى اسْتَوْلَوْا عَلَى بَعْضِ بِلَادِ أُورُبَّةَ، وَأَلَّفُوا فِيهَا دَوْلَةً عَرَبِيَّةً كَانَتْ زِينَةَ الْأَرْضِ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالْحَضَارَةِ وَالْعُمْرَانِ.
حَارَبُوا شُعُوبًا كَثِيرَةً كَانَتْ أَقْوَى مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقِتَالُ مِنْ عَدَدٍ وَعُدَدٍ، وَسِلَاحٍ وَكُرَاعٍ، وَحُصُونٍ وَقِلَاعٍ، وَقَاتَلُوهَا فِي عُقْرِ دَارِهَا، وَمُسْتَقِرِّ قُوَّتِهَا، وَهُمْ بُعَدَاءُ عَنْ بِلَادِهِمْ، نَاءُونَ عَنْ مَقَرِّ خِلَافَتِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَفْضُلُونَ أَعْدَاءَهُمْ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ صَلَاحُ أَرْوَاحِهِمُ الَّذِي تَبِعَهُ صَلَاحُ أَعْمَالِهِمْ، وَالرَّوْحُ الْبَشَرِيُّ أَعْظَمُ قُوَى هَذِهِ الْأَرْضِ، سَخَّرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ سَائِرَ قُوَاهَا وَمَادَّتِهَا كَمَا قَالَ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (2: 29) (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (45: 13) .

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 6
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست