responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 58
وَأَزِيدُ فِي إِيضَاحِ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ: أَنَّ الَّذِينَ حُرِمُوا هِدَايَةَ الدِّينِ لَا يُعْقَلُ أَنْ يُؤَاخَذُوا فِي الْآخِرَةِ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذِهِ الْهِدَايَةِ. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِمْ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (17: 15) وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْعَقْلِ لَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِقَوْلِهِ إِلَّا إِذَا أَرَادَ أَنَّ حَالَهُمْ فِي الْآخِرَةِ تَكُونُ عَلَى حَسَبِ ارْتِقَاءِ أَرْوَاحِهِمْ بِهِدَايَةِ الْعَقْلِ وَسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ، إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولٌ يَتَفَاوَتُونَ فِي إِدْرَاكِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ بِتَفَاوُتِ اسْتِعْدَادِهِمُ الْفِطْرِيِّ وَمَا يُصَادِفُونَ مِنْ حَسُنِ التَّرْبِيَةِ وَقُبْحِهَا. وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي تَكْلِيفِهِمْ وَعَدَمِهِ أَوْ يُفْصَلُ بَيْنَهَا. وَمَا يُعْطِيهِمُ اللهُ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْفَضِيلَةِ وَالرَّزِيلَةِ - يَكُونُ جَزَاءً عَادِلًا
عَلَى أَعْمَالِهِمُ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ وَسَأُفَصِّلُ هَذَا الْمَعْنَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْمُنَزَّلَةِ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَأَعُودُ الْآنَ إِلَى إِتْمَامِ سِيَاقِ الْأُسْتَاذِ، قَالَ:
(الْقِسْمُ الثَّانِي) : مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ عَلَى وَجْهٍ يَبْعَثُ عَلَى النَّظَرِ، فَسَاقَ هِمَّتَهُ إِلَيْهِ، وَاسْتَفْرَغَ جُهْدَهُ فِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يُوَفَّقْ إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا دُعِيَ إِلَيْهِ، وَانْقَضَى عُمْرُهُ وَهُوَ فِي الطَّلَبِ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَكُونُ إِلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقَةً فِي الْأُمَمِ، وَلَا يَعُمُّ حَالُهُ شَعْبًا مِنَ الشُّعُوبِ، فَلَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي أَحْوَالِهَا الْعَامَّةِ، وَمَا يَكُونُ لَهَا مِنْ سَعَادَةٍ وَشَقَاءٍ فِي حَيَاتِهَا الدُّنْيَا أَمَّا صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ إِلَى أَنَّهُ مِمَّنْ تُرْجَى لَهُ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى، وَيَنْقُلُ صَاحِبُ هَذَا الرَّأْيِ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ مُؤَاخَذَتَهُ أَخَفُّ مِنْ مُؤَاخَذَةِ الْجَاحِدِ الَّذِي أَنْكَرَ التَّنْزِيلَ، وَاسْتَعْصَى عَلَى الدَّلِيلِ، وَكَفَرَ بِنِعْمَةِ الْعَقْلِ، وَرَضِيَ بِحَظِّهِ مِنَ الْجَهْلِ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) : مَنْ بَلَغَتْهُمُ الرِّسَالَةُ وَصَدَّقُوا بِهَا، بِدُونِ نَظَرٍ فِي أَدِلَّتِهَا وَلَا وُقُوفٍ عَلَى أُصُولِهَا، فَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ فِي فَهْمِ مَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ أُصُولِ الْعَقَائِدِ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُبْتَدِعَةُ فِي كُلِّ دِينٍ، وَمِنْهُمُ الْمُبْتَدِعُونَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَهُمُ الْمُنْحَرِفُونَ فِي اعْتِقَادِهِمْ عَمَّا تَدُلُّ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْقُرْآنِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَأَهْلُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، فَفَرَّقُوا الْأُمَّةَ إِلَى مُشَارِبَ، يُغَصُّ بِمَائِهَا الْوَارِدُ، وَلَا يَرْتَوِي مِنْهَا الشَّارِبُ، (قَالَ) : وَإِنِّي أُشِيرُ إِلَى طَرَفٍ مِنْ آثَارِهِمْ فِي النَّاسِ: يَأْتِي الرَّجُلُ إِلَى دَوَائِرِ الْقَضَاءِ فَيُسْتَحْلَفُ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، أَوْ بِالْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ وَهُوَ كَلَامُ اللهِ الْقَدِيمُ، - أَنَّهُ مَا فَعَلَ كَذَا، فَيَحْلِفُ وَعَلَامَةُ الْكَذِبِ بَادِيَةٌ عَلَى وَجْهِهِ، فَيَأْتِيهِ الْمُسْتَحْلِفُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَيَحْمِلُهُ عَلَى الْحَلِفِ بِشَيْخٍ مِنَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُ لَهُمُ الْوِلَايَةَ، فَيَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ، وَتَضْطَرِبُ أَرْكَانُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ فِي أَلْيَتِهِ وَيَقُولُ الْحَقَّ، وَيُقِرُّ بِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، تَكْرِيمًا لِاسْمِ ذَلِكَ الشَّيْخِ، وَخَوْفًا مِنْهُ أَنْ يَسْلُبَ عَنْهُ نِعْمَةً أَوْ يُحِلَّ بِهِ نِقْمَةً إِذَا حَلَفَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 58
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست