responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 376
فِي اخْتِيَارِهِ وَبَيْعَتِهِ الْعَدَالَةَ، وَمِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ أَيْضًا.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ) : الْإِمَامَةُ الصَّحِيحَةُ وَالْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ فِيمَا تَكُونُ عَلَيْهِ الْأَرْوَاحُ مِنَ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ وَالْمَلَكَاتِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تَمْلِكُ عَلَى صَاحِبِهَا طُرُقَ الْعَمَلِ فَتَسُوقُهُ إِلَى خَيْرِهَا وَتَزَعُهُ عَنْ شَرِّهَا، وَلَا حَظَّ لِلظَّالِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ الرَّسْمِ وَأَهِلُ الْخِدَاعِ وَالِانْخِدَاعِ بِالظَّاهِرِ، وَلِذَلِكَ يَصِفُونَ أَعْمَالَهُمْ وَأَحْكَامَهُمْ بِالرَّسْمِيَّةِ. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ إِمَامًا لِلنَّاسِ وَذَكَرَ لَنَا فِي كِتَابِهِ كَثِيرًا مِنْ صِفَاتِهِ الْجَلِيلَةِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا) (16: 20) الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (11: 75) وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا شَيْئًا مِنْ زِيِّهِ وَصِفَةِ ثِيَابِهِ، وَلَا وَصَفَ أَنْوَاعَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، بَلْ أَرْشَدَنَا إِلَى أَنَّ دَعْوَتَهُ الصَّالِحَةَ لَا يَدْخُلُ فِيهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَّا مَنِ اجْتَنَبَ الظُّلْمَ لِنَفْسِهِ وَلِلنَّاسِ.
قَالَ: وَقَدْ أَخَذُوا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمًا أُصُولِيًّا، وَهُوَ أَنَّ الظَّالِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى مَنْصِبَ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، وَاشْتَرَطُوا لِصِحَّةِ الْخِلَافَةِ فِيمَا اشْتَرَطُوا الْعِلْمَ وَالْعَدْلَ، وَنُقِلَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ (رح) كَانَ يُفْتِي سِرًّا بِجَوَازِ الْخُرُوجِ عَلَى الْمَنْصُورِ، وَيُسَاعِدُ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ عَلَى مَا كَانَ يَنْزِعُ إِلَيْهِ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ. اكْتَفَى الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مِنَ الدَّرْسِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنَ الِاسْتِشْهَادِ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعَلِّلُ إِبَاءَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْصِبَ الْقَضَاءِ فِي زَمَنِ الْمَنْصُورِ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ، بِاعْتِقَادِ عَدَمِ صِحَّةِ إِمَامَتِهِمْ، وَعَدَمِ انْعِقَادِ وِلَايَتِهِمْ، وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَرَى يَوْمَئِذٍ أَنَّ الْإِمَامَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَلَوِيِّينَ خَاصَّةً.
ثُمَّ ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هُنَا أَئِمَّةَ الْعِلْمِ وَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَرْعَوُوا عَنِ الِاقْتِدَاءِ بِالظَّالِمِينَ حَتَّى بَعْدَ هَذَا التَّحْذِيرِ الَّذِي أَوْحَاهُ اللهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ أَعْلَمَ بِهِ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِمَا
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ فَإِنَّهُمْ ظَلُّوا عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ وَهُمُ الْيَوْمَ وَقَبْلَ الْيَوْمِ يَدَّعُونَ الِاقْتِدَاءَ بِالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَهُمْ كَاذِبُونَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِمْ فِي التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الْقُرْآنِ، وَتَحَرِّي اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ.
اكْتَفَى الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ فِي الدَّرْسِ، وَنَزِيدُهَا إِيضَاحًا فَنَقُولُ: قَدْ غَلَبَتْ عَلَى النَّاسِ أَهْوَاءُ السَّلَاطِينِ وَالْحُكَّامِ الظَّالِمِينَ، حَتَّى إِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ لَمْ يَسْلَمُوا مِنْ أُولَئِكَ الظَّالِمِينَ، فَقَدْ سُجِنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحَاوَلُوا إِكْرَاهَهُ عَلَى قَبُولِ الْقَضَاءِ، لَمَّا رَأَوْا مِنْ إِقْبَالِ النَّاسِ عَلَى الْأَخْذِ عَنْهُ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَضَرَبُوهُ وَحَبَسُوهُ وَلَمْ يَقْبَلْ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ.
وَضُرِبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ سَبْعِينَ سَوْطًا لِأَجْلِ فَتْوَى لَمْ تُوَافِقْ غَرَضَ السُّلْطَانِ، نَقَلَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ عَنْ شُذُورِ الْعُقُودِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَنَقَلَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِ عَهْدِهِ يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا الْجُمُعَةَ، وَكَانَ يَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذْرِهِ.
وَسُعِيَ بِهِ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ عَمُّ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 376
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست