responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 351
التَّقْلِيدِ، وَبِالْمُطَالَبَةِ بِالْبُرْهَانِ وَالدَّلِيلِ، وَعَلَّمَ النَّاسَ اسْتِقْلَالَ الْفِكْرِ، مَعَ الْمُشَاوَرَةِ فِي الْأَمْرِ، يُطَالِبُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الدَّلِيلِ، وَيَعِيبُونَ عَلَيْهِمُ الْأَخْذَ بِقَالَ وَقِيلَ، وَيَا لَيْتَهُ كَانَ الْأَخْذُ بِقَالَ اللهُ، وَقِيلَ فِيمَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ، وَلَكِنَّهُ الْأَخْذُ بِقَالَ فُلَانٌ وَقِيلَ عَنْ عِلَّانٍ (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (53: 23) .
قَالَ - تَعَالَى - رَدًّا عَلَيْهِمْ: (بَلَى) وَهِيَ كَلِمَةٌ تُذْكَرُ فِي الْجَوَابِ لِإِثْبَاتِ نَفْيٍ سَابِقٍ، فَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِقَوْلِهِمْ: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) . . . إِلَخْ، أَيْ بَلَى إِنَّهُ يَدْخُلُهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ هُودًا وَلَا نَصَارَى؛ لِأَنَّ رَحْمَةَ اللهِ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِشَعْبٍ دُونَ شَعْبٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مَبْذُولَةٌ لِكُلِّ مَنْ يَطْلُبُهَا وَيَعْمَلُ لَهَا عَمَلَهَا، وَهُوَ مَا بَيَّنَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ: (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) . إِسْلَامُ الْوَجْهِ لِلَّهِ: هُوَ التَّوَجُّهُ إِلَيْهِ وَحْدَهُ وَتَخْصِيصُهُ
بِالْعِبَادَةِ دُونَ سِوَاهُ، كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5) وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَقَدْ عَبَّرَ هُنَا عَنْ إِسْلَامِ الْقَلْبِ وَصِحَّةِ الْقَصْدِ إِلَى الشَّيْءِ بِإِسْلَامِ الْوَجْهِ، كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِتَوْجِيهِ الْوَجْهِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) (6: 79) لِأَنَّ قَاصِدَ الشَّيْءِ يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ لَا يُوَلِّيهِ دُبُرَهُ، فَلَمَّا كَانَ تَوْجِيهُ الْوَجْهِ إِلَى شَيْءٍ لَهُ جِهَةٌ تَابِعًا لِقَصْدِهِ وَاشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِهِ عَبَّرَ عَنْهُ بِهِ، وَجَعَلَ التَّوَجُّهَ بِالْوَجْهِ إِلَى جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ (وَهِيَ الْقِبْلَةُ) بِأَمْرِ اللهِ مُذَكِّرًا بِإِقْبَالِ الْقَلْبِ عَلَى اللهِ الَّذِي لَا تُحَدِّدُهُ الْجِهَاتُ، فَالْإِنْسَانُ يَتَضَرَّعُ وَيَسْجُدُ لِلَّهِ - تَعَالَى - بِوَجْهِهِ، وَعَلَى الْوَجْهِ يَظْهَرُ أَثَرُ الْخُشُوعِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ إِسْلَامِ الْوَجْهِ لِلَّهِ تَوْحِيدُهُ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِخْلَاصُ لَهُ فِي الْعَمَلِ، بِأَلَّا يَجْعَلَ الْعَبْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وُسَطَاءَ يُقَرِّبُونَهُ إِلَيْهِ زُلْفَى؛ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وَمِنْ هُنَا يُفْهَمُ مَعْنَى الْإِسْلَامِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْمَرْءُ مُسْلِمًا.
ذَكَرَ التَّوْحِيدَ وَالْإِيْمَانَ الْخَالِصَ وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهِ الْوَعْدَ بِالْأَجْرِ عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - وَاسْتِحْقَاقَ الْكَرَامَةِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَيَّدَهُ بِإِحْسَانِ الْعَمَلِ، فَقَالَ: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) ، وَتِلْكَ سُنَّةُ الْقُرْآنِ تَقْرِنُ الْإِيْمَانَ بِعَمَلِ الصَّالِحَاتِ، كَقَوْلِهِ: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (4: 123، 124) وَهَذَا فِي مَعْنَى الْآيَاتِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا، نَفَى أَمَانِيَّ الْمُسْلِمِينَ كَمَا نَفَى أَمَانِيَّ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَجَعَلَ أَمْرَ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ مَنُوطًا بِالْإِيْمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعًا. وَكَقَوْلِهِ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ) (21: 94) الْآيَةَ.
ثُمَّ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ لِلْمُسْلِمِ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَالْمُحْسِنِ فِي عَمَلِهِ الْأَجْرَ عِنْدَ اللهِ، نَفَى عَنْهُ الْخَوْفَ الَّذِي يُرْهِقُ الْكَافِرِينَ وَالْمُسِيئِينَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَفِي تِلْكَ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَالْحُزْنَ الَّذِي يُصِيبُهُمْ فَقَالَ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 351
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست