responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 335
عَلَى فَاعِلِهِ وَعَلَى اتِّبَاعِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالْكُهَّانِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا الْعِلْمُ قَوْلَهُ: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فَإِنَّ الْعِلْمَ عِلْمَانِ: عِلْمٌ تَفْصِيلِيٌّ مُتَمَكِّنٌ مِنَ النَّفْسِ مُتَسَلِّطٌ عَلَى إِرَادَتِهَا يُحَرِّكُهَا إِلَى الْعَمَلِ، وَعِلْمٌ إِجْمَالِيٌّ خَيَالِيٌّ يَلُوحُ فِي الذِّهْنِ مُبْهَمًا عِنْدَمَا يَعْرِضُ مَا يُذَكَّرُ بِهِ كَكِتَابٍ وَإِلْقَاءِ سُؤَالٍ، وَهُوَ يَقْبَلُ التَّحْرِيفَ وَالتَّأْوِيلَ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْفَذٌ إِلَى الْإِرَادَةِ وَلَا سَبِيلٌ، فَقَدْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ أَكْلَ السُّحْتِ كَالرِّشْوَةِ وَالرِّبَا بِالتَّأْوِيلِ، كَمَا يَفْعَلُ غَيْرُهُمُ الْيَوْمَ
وَقَبْلَ الْيَوْمِ. وَلَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ حُرْمَةً مَا ذُكِرَ عِلْمًا تَفْصِيلِيًّا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ جُزْئِيَّاتِ الْمُحَرَّمِ، وَيَفْقَهُونَ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ وَسِرَّهُ، وَيُصَدِّقُونَ بِمَا تَوَعَّدَ اللهُ مُرْتَكِبَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ تَصْدِيقًا جَازِمًا، وَيَتَذَكَّرُونَهُ وَقْتَ الْعَمَلِ - بِمَا لِلْعَقِيدَةِ مِنَ السُّلْطَانِ عَلَى الْإِرَادَةِ - لَمَا ارْتَكَبُوا مَا ارْتَكَبُوهُ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ فَقَدُوا هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْعِلْمِ وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ تَصَوُّرُ أَنَّ السِّحْرَ وَالْخِدَاعَ كِلَاهُمَا حَرَامٌ كَالرِّبَا وَالرِّشْوَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ عِبَارَةً تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ تَحْتَمِلُ ضُرُوبًا مِنَ التَّأْوِيلِ كَكَوْنِ النَّهْيِ خَاصًّا بِمُعَامَلَةِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) (3: 75) إِذَا أَكَلْنَا أَمْوَالَهُمْ بِالْبَاطِلِ، وَكَاشْتِرَاطِ الضَّرَرِ فِي السِّحْرِ مَعَ ادِّعَاءِ أَنَّ مَا يَأْتُونَهُ مِنْهُ نَافِعٌ غَيْرُ ضَارٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنَّنَا نَرَى كَثِيرًا مِنَ الْحُرُمَاتِ قَدِ انْتُهِكَتْ فِي الْمُسْلِمِينَ بِمِثْلِ التَّأْوِيلَاتِ حَتَّى جَوَّزَ بَعْضُ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ هَدْمَ رُكْنٍ مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بِالْحِيلَةِ، وَهُوَ رُكْنُ الزَّكَاةِ الَّذِي يُحَارَبُ تَارِكُوهُ شَرْعًا، وَتَرَى هَذِهِ الْحِيَلَ قَدْ أَثَّرَتْ فِي الْأُمَّةِ أَسْوَأَ التَّأْثِيرِ، فَقَلَّمَا يُوجَدُ فِيهَا غَنِيٌّ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ، وَلَا يَعْتَقِدُ الْمُتَمَسِّكُ بِالدِّينِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَغْنِيَاءِ أَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِمَقْتِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ فَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بِحِيلَةٍ يُسَمِّيهَا شَرْعِيَّةً، وَقَدْ أَخَذَهَا عَمَّنْ يُسَمَّوْنَ فُقَهَاءَ، وَيَفْتَخِرُونَ بِأَنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ إِنَّ الْحِيَلَ عَلَى التَّزْوِيرِ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ لَهَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَعَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْعَمَائِمِ مَجَالٌ وَاسِعٌ وَمَيْدَانٌ فَسِيحٌ، وَلَهَا أَقْبَحُ التَّأْثِيرِ فِي إِفْسَادِ الْعَامَّةِ وَاسْتِبَاحَتِهِمُ الْمَحْظُورَاتِ، وَلَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ الْحِيَلُ عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالتَّأْوِيلَاتُ الْبَاطِلَةُ الْهَادِمَةُ لِدِينِهِ مَعْدُودَةً مِنْ عِلْمِ الدِّينِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَأْتِيهَا مَنْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي إِتْيَانِهَا مِمَّنْ يُعَدُّونَ صَالِحِينَ، وَمِنْ أَعْجَبِ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّالِحِينَ يَشْهَدُ الزُّورَ بِمِثْلِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ، وَقَدْ نَقَلَ الثِّقَاتُ أَنَّ طَالِبَ الشَّهَادَةِ يَسْتَعْطِفُهُ وَيَسْتَمِيلُ قَلْبَهُ الشَّكْوَى مِنَ الظُّلْمِ، وَإِرَادَةُ الْاسْتِعَانَةِ بِشَهَادَتِهِ عَلَى دَفْعِ الْمَظْلَمَةِ وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الْأَذَى، فَيَأْمُرُ الشَّيْخُ بِأَنْ تُطْوَى الْوَرَقَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى قَوْلِ الزُّورِ بِحَيْثُ يُحْجَبُ سَوَادُ الْكِتَابَةِ فَلَا يَرَاهُ وَيَضَعُ تَوْقِيعَهُ وَخَتْمَهُ فِي ذَيْلِهَا كَأَنَّهُ وَضَعَهُمَا عَلَى وَرَقَةٍ خَالِيَةٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ خَالِيَةً مِنَ الْكِتَابَةِ، وَيَعْرِفُ مَا فِيهَا مِنَ الْكَذِبِ. فَهَلْ نَقُولُ: إِنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) (25: 72) وَقَوْلِهِ: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)
(16: 105) وَبِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 335
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست