responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 201
فَكَيْفَ يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَمَثَلٌ كَامِلٌ ضُرِبَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ؟ (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا) (38: 8) وَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ مَلَكًا؟ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: (لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا) (25: 7) وَقَدْ أَقَامَ اللهُ الْحُجَّةَ عَلَى هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) (2: 23) . . . إِلَخْ، وَأَتْبَعَهَا بِوَعِيدِ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ بَعْدَ قِيَامِ الْبُرْهَانِ وَهُمُ الْكَافِرُونَ، وَبِشَارَةِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَبَعْدَ تَقْرِيرِ الْحُجَّةِ وَهِيَ تَحَدِّيهِمْ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، كَرَّ عَلَى شُبْهَتِهِمْ بِالنَّقْضِ وَهِيَ اسْتِبْعَادُ أَنْ يَكُونَ بَشَرٌ رَسُولًا مِنْ عِنْدِهِ.
وَمُحَصَّلُهُ: أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَيَجْعَلُ مَا شَاءَ مِنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْفَائِدَةِ فِيمَا شَاءَ وَمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَيَضْرِبُهُ مَثَلًا لِلنَّاسِ يَهْتَدُونَ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا نَقْصًا فِي جَانِبِ الْأُلُوهِيَّةِ فَيَسْتَحِي مِنْ ضَرْبِهَا مَثَلًا، بَلْ مِنَ الْكَمَالِ وَالْفَضْلِ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ الضَّعِيفَةِ وَالْمُحْتَقَرَةِ فِي الْعُرْفِ كَالْبَعُوضِ فَوَائِدَ وَمَنَافِعَ، فَكَيْفَ يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَجْعَلَ مِنَ الْإِنْسَانِ الْكَامِلِ الَّذِي كَرَّمَهُ وَخَلَقَهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ مَثَلًا وَإِمَامًا يَقْتَدِي بِهِ قَوْمُهُ وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ؟ وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَعْنَى الْمَثَلِ هُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ أَوْ ظَاهِرٌ مِنْهُ أَتَمَّ الظُّهُورِ، (فَإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ الَّذِي نَصَبَهُ لِلنَّاسِ مَهْمَا يَكُنْ ضَعِيفًا قَبْلَ أَنْ يُقَوِّيَهُ بِبُرْهَانِهِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي ثَبَتَ تَأْيِيدُهُ مِنْ رَبِّهِمْ، وَالْكَافِرُونَ يَقُولُونَ: لِمَ لَمْ يَبْعَثْ إِلَى النَّاسِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فِي نَظَرِهِمْ؟ وَمَاذَا يُرِيدُ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ قُدْوَةً فِي أَضْعَفِهِمْ وَأَهْوَنِهِمْ؟ وَهَكَذَا تَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا) . . . إِلَخْ.
وَقَدْ عُهِدَ مِنْ أَهْلِ الْبَصِيرَةِ الِاقْتِدَاءُ بِالْحَيَوَانَاتِ وَالِاسْتِفَادَةُ مِنْ خِصَالِهَا وَأَعْمَالِهَا، وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِ كِبَارِ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْمُرَاقَبَةَ مِنَ الْقِطِّ، وَعَنْ بَعْضِ حُكَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ قَرَأَ كِتَابًا نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ مَرَّةً فَلَمْ يَفْهَمْهُ فَيَئِسَ مِنْهُ وَتَرَكَهُ،
فَرَأَى خُنْفَسَةً تَتَسَلَّقُ جِدَارًا وَتَقَعُ، فَعَدَّ عَلَيْهَا الْوُقُوعَ فَزَادَ عَلَى ثَلَاثِينَ مَرَّةً وَلَمْ تَيْأَسْ حَتَّى تَمَكَّنَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ تَسَلُّقِهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى حَيْثُ أَرَادَتْ، فَقَالَ: لَنْ أَرْضَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْخُنْفَسَاءُ أَثْبَتُ مِنِّي وَأَقْوَى عَزِيمَةً، فَرَجَعَ إِلَى الْكِتَابِ فَقَرَأَهُ حَتَّى فَهِمَهُ. وَيُقَالُ إِنَّ (تَيْمُورَ لنك) كَانَتْ تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِالْمُلْكِ مِنْ أَوَّلِ نَشْأَتِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ فَقْرِهِ وَمَهَانَتِهِ، فَسَرَقَ مَرَّةً غَنَمًا (وَكَانَ لِصًّا) فَفَطِنَ لَهُ الرَّاعِي فَرَمَاهُ بِسَهْمَيْنِ أَصَابَا كَتِفَهُ وَرِجْلَهُ فَعَطَّلَاهُمَا، فَآوَى إِلَى خَرِبَةٍ وَجَعَلَ يُفَكِّرُ فِي مَهَانَتِهِ وَيُوَبِّخُ نَفْسَهُ عَلَى طَمَعِهَا فِي الْمُلْكِ، وَلَكِنَّهُ رَأَى نَمْلَةً تَحْمِلُ تِبْنَةً وَتَصْعَدُ إِلَى السَّقْفِ وَعِنْدَمَا تَبْلُغُهُ تَقَعُ ثُمَّ تَعُودُ، وَظَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ عَامَّةَ اللَّيْلِ حَتَّى نَجَحَتْ فِي الصَّبَاحِ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: وَاللهِ لَا أَرْضَى بِأَنْ أَكُونَ أَضْعَفَ عَزِيمَةً وَأَقَلَّ ثَبَاتًا مِنْ هَذِهِ النَّمْلَةِ، وَأَصَرَّ عَلَى عَزْمِهِ حَتَّى صَارَ مَلِكًا وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 201
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست