دعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ وقال رجل نصرانى من أهل نجران: أو ذاك تريد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني الله ولا بذلك أمرنى فأنزل الله الآية.
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال: بلغني «أن رجلا قال يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال لا، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله فإنه لا ينبغى أن يسجد لأحد من دون الله تعالى فأنزل الله (ما كان لبشر) الآيتين» .
الإيضاح
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ) أي لا ينبغى لأحد من البشر أن ينزل الله عليه كتابه، ويعلمه فقه دينه ومعرفة أسراره ويعطيه النبوة، ثم يدعو الناس إلى عبادة نفسه دون الله، لأن من آتاه الله ذلك فإنما يدعوهم إلى العلم به، ويحثهم على معرفة شرائع دينه، وأن يكونوا القدوة في طاعته وعبادته، ومعلمى الناس الكتاب.
ومعنى قوله من دون الله: أي متجاوزين ما يجب من إفراده تعالى بالعبادة، فإن العبادة الصحيحة لا تتحقق إلا إذا أخلصت له وحده، ولم تشبها شائبة من التوجه إلى غيره كما قال تعالى: «قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي» .
ومن دعا إلى عبادة نفسه فقد دعا الناس إلى أن يكونوا عابدين له من دون الله وإن لم ينههم عن عبادة الله، بل وإن أمرهم بعبادة الله.
ومن جعل بينه وبين الله واسطة في العبادة كالدعاء، فقد عبد هذه الواسطة من دون الله، لأن هذه الواسطة تنافى الإخلاص له وحده، وحين ينتفى الإخلاص تنتفى العبادة، ومن ثم قال تعالى: «فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ