بقراءته فيميلونها عن المنزّل إلى المحرّف لتظنوا أيها المسلمون أن ذلك المحرف من كلام الله وتنزيله وما هو من عند الله، ولكنه من عند أنفسهم.
وقد جاء في كتب السيرة والحديث أن اليهود كانوا إذا سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم يمضغون كلمة (السلام) فيخفون اللام، ويقولون (السام عليكم) غير مفصحين بالكلمة لأنهم يريدون معنى السام وهو الموت.
وجاء في سورة النساء قوله تعالى: «مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ» فهؤلاء وضعوا (غير مسمع) مكان (لا أسمعت مكروها) التي تقال عادة عند الدعاء (وراعنا) مكان (انظرنا) التي يقولها الناس لمن ينتظرون معونته ومساعدته.
وإنما قالوا (غير مسمع) لأنها قد تستعمل في الدعاء على المخاطب بمعنى لا سمعت وقالوا (راعنا) لأن هذه الكلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابّون بها.
ثم أكد ما سبق بقوله:
(وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي إنهم كاذبون فيما يقولون، وفي هذا تشنيع عليهم بأن الجرأة قد بلغت بهم حدا عظيما، فهم لم يكتفوا بالتعريض والتورية بل يصرحون بنسبته إلى الله كذبا لعدم خوفهم منه، واعتقادهم أنه يغفر لهم جميع ما يجترحون من الذنوب لأنهم من أهل ذلك الدين.
وليس ذلك بالغريب عليهم، فإنا نرى كثيرا من المسلمين اليوم يعتقدون أن المسلم من أهل الجنة حتما مهما أصاب من الذنوب، لأنه إن لم تدركه الشفاعة أدركته المغفرة، ويجلى اعتقادهم ذلك قولهم (أمة محمد بخير) .
فالمسلم في نظرهم من اتخذ الإسلام دينا، وإن لم يعمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله من صفات المسلمين الصادقين، بل فعل فعل الكافرين والمنافقين.