أخرج البخاري ومسلم أن العاقب والسيد أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه، فو الله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح أبدا، ولا عقّبنا من بعدنا أبدا، فقالا له نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلا أمينا، فقال قم يا أبا عبيدة، فلما قام قال: هذا أمين هذه الأمة.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس «أن ثمانية من نصارى نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم العاقب والسيد فأنزل الله (قل تعالوا) الآية فقالوا أخرنا ثلاثة أيام، فذهبوا إلى قريظة والنضير وبنى قينقاع من اليهود فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه، وقالوا هو النبي الذي نجده في التوراة، فصالحوه على ألف حلة فى صفر وألف في رجب ودراهم» .
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار للمباهلة عليّا وفاطمة وولديهما عليهم الرضوان وخرج بهم وقال: إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم.
وأخرج ابن عساكر عن جعفر عن أبيه أنه لما نزلت هذه الآية جاء بأبى بكر وولده وبعمر وولده، وبعثمان وولده. ولا شك أن الذي يفهم من الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يدعو المحاجين والمجادلين في شأن عيسى من أهل الكتاب إلى الاجتماع رجالا ونساء وأطفالا، ويجمع هو المؤمنين رجالا ونساء وأطفالا ويبتهلوا إلى الله تعالى بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى.
وهذا الطلب يدل على قوة يقين صاحبه وثقته بما يقول كما يدل امتناع من دعوا إلى ذلك من أهل الكتاب من نصارى نجران وسواهم على امترائهم في حجاجهم، وكونهم على غير بينة فيما يعتقدون.
وفي الآية عبرة لمن ادّكر، لأنه طلب فيها مشاركة النساء للرجال في الاجتماع للمفاضلة الدينية وفي هذا دليل على أن المرأة كالرجل حتى في الأمور العامة إلا في بعض مسائل ككونها لا تباشر الحرب بنفسها، بل تشتغل بخدمة المحاربين ومداواة الجرحى، ولا تتولى القضاء في الجنايات ونحوها.