ذكر ما بينهما من خبر ولادته وبعثته مؤيدا بتلك الآيات التي تقدمت اكتفاء بحكاية الملائكة، وثقة بما فصل في المواضع الأخرى.
الإيضاح
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) أي فلما شعر من قومه بنى إسرائيل بالإصرار على الكفر والعناد وقصد الإيذاء، فقد صح أنه لقى من اليهود شدائد كثيرة، فقد كانوا يجتمعون عليه ويستهزئون به ويقولون له يا عيسى: ما أكل فلان البارحة، وما ادخر فى بيته لغد؟ فيخبرهم فيسخرون منه حتى طال ذلك به وبهم. وهموا بقتله فخافهم واختفى عنهم، وخرج هو وأمه يسيحان في الأرض.
وفي هذا عبرة وتسلية للنبى صلى الله عليه وسلم، وبيان لأن الآيات الكونية مهما كثرت لا تفضى إلى الإيمان إلا إذا كان للمدعو استعداد للقبول، ومن الداعي حسن بيان.
وحين رأى منهم ذلك:
(قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟) أي قال للحواريين كما تدل عليه آية الصف «كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟» أي من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله في نصرى، ويكونون من أهل الاستعداد لمتابعتى، وينخلعون عما كانوا فيه، وينصرفون إلى تأييد رسوله! (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ) أي قال خاصة أصحابه وناصروه: نحن أنصار دين الله، والباذلون كل ما في الوسع في تأييد دعوتك والآخذون بتعاليمك. والمنصرفون عن التقاليد السالفة.
وهذا النصر لا يستلزم القتال، بل يكفى فيه العمل بالدين والدعوة إليه.
(آمَنَّا بِاللَّهِ) هذا جار مجرى السبب في نصره، فإن الإيمان بالله موجب لنصرة دينه والذبّ عن أوليائه، ومحاربة أعدائه.