كالكفر والشبهات التي تعرض دون الدين فتصدّ عن النظر فيه أو تحول دون فهمه، والإذعان له كالبدع والأهواء التي تحمل على تأويله وصرفه عن وجهه والشهوات التي تشغل عنه.
المعنى الجملي
كان الكلام قبل هذا في تقرير أصول الدين من توحيد الله وتنزيهه وانفراده بالملك والسلطان في السموات والأرض، وبيان أن علمه محيط بكل شىء وأنه العلى العظيم.
والكلام هنا في بيان أن الاعتقاد بهذا أمر تهدى إليه الفطرة، وترشد إليه المشاهدات الكونية، فأماراته واضحة، والنّصب عليه جلية لا لبس فيها ولا إبهام، فمن هدى إليه فقد فاز بالسعادة، ومن أعرض عنه خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
وسبب نزول الآية ما رواه ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس: أن رجلا من الأنصار يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان، وكان هو مسلما، فقال للنبى صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما؟ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل الله الآية، وفي بعض الروايات أنه حاول إكراههما، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال يا رسول الله: أيدخل بعضى النار وأنا أنظر، فنزلت فخلّاهما.
الإيضاح
(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) أي لا إكراه في الدخول فيه، لأن الإيمان إذعان وخضوع، ولا يكون ذلك بالإلزام والإكراه، وإنما يكون بالحجة والبرهان.
وكفى بهذه الآية حجة على من زعم من أعداء الدين، بل من أوليائه، أن الإسلام ما قام إلا والسيف ناصره، فكان يعرض على الناس، فإن قبلوه نجوا، وإن رفضوه حكم فيهم السيف حكمه.