روى الترمذي وأبو يعلى وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: لما نزلت «فمنهم شقى وسعيد» قلت: يا رسول الله فعلام نعمل؟ على شىء قد فرغ منه أو على شىء لم يفرغ منه قال: «بل على شىء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كلّ ميسر لما خلق له»
وروى عن على كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان فى جنازة فأخذ عودا فجعل ينكت فى الأرض فقال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» وقرأ: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى»
والمراد أن الله يعلم الغيب وأنه يعلم المستقبل كله بجميع أجزائه وأطرافه، ومنه عمل العاملين وما يترتب على كل عمل من الجزاء بحسب وعده ووعيده فى كتابه المنزل وكتابته للمقادير، والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن الجزاء بالعمل، وأن كل إنسان ميسر له ومسهل عليه ما خلقه الله لأجله من سعادة الجنة، أو شقاوة النار، وأن ما وهبه من الاستعداد والعزيمة يكون له تأثير فى تربية النفس توجيهها إلى ما تعتقد أن فيه سعادتها وخيرها.
ثم فصل جزاء الفريقين فقال:
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) الزفير تنفس الصّعداء من الهم والكرب إذا امتد واشتد وسمع صوته، والشهيق النشيج فى البكاء إذا اشتد تردده فى الصدر وارتفع به الصوت، أي فأما الذين شقوا فى الدنيا بما كانوا يعملون من أعمال الأشقياء لفساد عقيدتهم الموروثة وسوء القدوة فى العمل حتى أحاطت بهم خطيئاتهم وانطفأ نور الفطرة من أنفسهم، فلهم فى النار التي هى مستقرهم ومثواهم زفير وشهيق من حرج صدورهم وضيق أنفاسهم وشدة كروبهم.
(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي ما كثين فيها مكث خلود وبقاء مدة دوام السموات التي تظلهم والأرض التي تقلّهم، والمراد التأبيد ونفى الانقطاع على منهج قولهم: لا أفعله ما بدا كواكب، وما أضاء الفجر، وما تغنّت حمامة، والنصوص متظاهرة على تأبيد قرارهم فيها.