(فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي فلا تسألنى فى شىء ليس لك به علم صحيح، وقد سمى دعاءه سؤالا، لأنه تضمن ذكر الوعد بنجاة أهله، ومارتبه عليه من طلب نجاة ولده.
وفى الآية إيماء إلى أنه لا يجوز الدعاء بطلب ما هو مخالف لسنن الله فى خلقه بإرادة قلب نظام الكون لأجل الداعي، ولا بطلب ما هو محرم شرعا، وإنما يجوز الدعاء بتسخير الأسباب والتوفيق فيها والهداية إلى العلم بالمجهول من السنن والنظام، لنكثر من عمل الخير، ونزيد من عمل البر والإحسان.
(إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي إنى أنهاك أن تكون من زمرة من يجهلون، فيسألونه تعالى أن يبطل حكمته وتقديره فى خلقه، إجابة لشهواتهم وأهوائهم فى أنفسهم أو أهليهم أو محبيهم.
وفى ذلك دليل على أن من أكبر الجهالات أن نسأل بعض الصالحين والأولياء ما نهى الله عنه نبيّا من أولى العزم من رسله أن يسأله إياه، فإن ذلك يقضى بأن الله يعطيهم ما لم يعط مثله لرسله.
ثم ذكر طلب نوح المغفرة من ربه على ما فرط منه من السؤال فقال حاكيا عنه:
(قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي قال نوح رب إنى ألتجئ إليك وأحتمى بك من أن أسألك بعد الآن شيئا لا أعلم أن حصوله مقتضى الحكمة، وإن لم تغفر لى ذنب هذا السؤال الذي سوّلته لى الرحمة الأبوية وطمعى فى الرحمة الربانية، وترحمنى بقبول توبتى برحمتك التي وسعت كل شىء- أكن من الخاسرين فيما حاولته من الربح بنجاة أولادى كلهم وسعادتهم بطاعتك وأنت أعلم بهم منى.
والعبرة فى الآية من وجوه:
(1) إن ما سأله نوح لابنه لم يكن معصية لله تعالى خالف فيها أمره أو نهيه، وإنما