(قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) الخطب الشأن العظيم الذي يقع فيه التخاطب إما لغرابته وإما لإنكاره، ومنه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: «قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ» وقوم موسى: «فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ» أي إن الرسول بعد أن أبلغ الملك قول يوسف: إنه لا يخرج من السجن استجابة لدعوته حتى يحقق قصة النسوة- جمعهن وسألهن: ما خطبكن الذي حملكن على مراودته عن نفسه:
هل كان عن ميل منه إليكن، وهل رأيتن منه مواتاة واستجابة بعدها، وماذا كان السبب فى إلقائه فى السجن مع المجرمين.
(قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) أي معاذ الله. ما علمنا عليه سوءا يشينه ويسوءه لا قليلا ولا كثيرا.
(قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) حصحص: ظهر بعد أن كان خفيا أي إن الحق فى هذه القضية كان فى رأى من بلغهم- موزّع التبعة بيننا معشر النسوة وبين يوسف، لكل مناحصة بقدر ما عرض فيها من شبهة، والآن قد ظهر الحق فى جانب واحد لا خفاء فيه، وهن قد شهدن بما علمن شهادة نفى، وهأنذا أشهد على نفسى شهادة إيجاب.
(أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) لا أنه راودنى، بل استعصم وأعرض عنى.
(وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) فى قوله حين افتريت عليه: هى راودتنى عن نفسى، والذي دعاها إلى هذا الاعتراف مكافأة يوسف على ما فعله من رعاية حقها وتعظيم جانبها وإخفاء أمرها حيث قال: (ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) ولم يعرض لشأنها.
وفى هذا الاعتراف شهادة مريحة من امرأة العزيز ببراءة يوسف من كل الذنوب، وطهارته من كل العيوب.
(ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) أي ذلك الاعتراف منى بالحق له، والشهادة بالصدق الذي علمته منه، ليعلم أنى لم أخنه بالغيب عنه منذ سجن إلى الآن، فلم أنل