responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 9  صفحه : 53
قَوِيَتِ الرُّسُلُ وَصَارُوا مِنْ أُولِي الْعَزْمِ لِأَنَّهُمْ لَاحَظُوا نُورَ النَّوَاصِي، وَأَيْقَنُوا أَنَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ مُنْقَادُونَ بِتِلْكَ الْأَنْوَارِ إِلَى مَا نَفَذَ بَصَرُهُ فِيهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَأَوْفَرُهُمْ حَظًّا مِنَ الْمُلَاحَظَةِ أَقْوَاهُمْ فِي الْعَزْمِ، وَلِذَلِكَ مَا قَوِيَ هُودٌ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ:" فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها". وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ نَاصِيَةٌ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ قَدْ نُصَّتْ وَبَرَزَتْ مِنْ غَيْبِ الْغَيْبِ فَصَارَتْ مَنْصُوصَةً فِي الْمَقَادِيرِ، قَدْ نَفَذَ بَصَرُ الْخَالِقِ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِ الْخَلْقِ بِقُدْرَةٍ، ثُمَّ وُضِعَتْ حَرَكَاتُ كُلِّ مَنْ دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ حَيًّا فِي جَبْهَتِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْهُ نَاصِيَةً، لِأَنَّهَا تَنُصُّ حَرَكَاتِ الْعِبَادِ بِمَا قُدِّرَ، فَالنَّاصِيَةُ مَأْخُوذَةٌ بِمَنْصُوصِ الْحَرَكَاتِ الَّتِي نَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا. وَوَصَفَ نَاصِيَةَ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ:" ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ" [1] [العلق: 16] يُخْبِرُ أَنَّ النَّوَاصِيَ فِيهَا كَاذِبَةٌ خَاطِئَةٌ، فَعَلَى سَبِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ النَّاصِيَةُ مَنْسُوبَةً إِلَى الْكَذِبِ وَالْخَطَأِ. [وَاللَّهُ أَعْلَمُ [2]]. (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قَالَ النَّحَّاسُ: الصِّرَاطُ فِي اللُّغَةِ الْمِنْهَاجُ الْوَاضِحُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى كُلِّ شي فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُمْ إِلَّا بِالْحَقِّ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا خَلَلَ فِي تَدْبِيرِهِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ. (قَوْلُهُ تَعَالَى:) فَإِنْ تَوَلَّوْا) فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ، فَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ، وَالْأَصْلُ تَتَوَلَّوْا، فَحُذِفَتِ التَّاءُ لِاجْتِمَاعِ تَاءَيْنِ. (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) بِمَعْنَى قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ. (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) أَيْ يُهْلِكُكُمْ وَيَخْلُقُ مَنْ هُوَ أَطْوَعُ لَهُ مِنْكُمْ يُوَحِّدُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ." وَيَسْتَخْلِفُ" مَقْطُوعٌ مِمَّا قَبْلَهُ فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ، أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يَجِبُ فِيمَا بَعْدَ الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ:" فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ". وَرُوِيَ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ" وَيَسْتَخْلِفْ" بِالْجَزْمِ حَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ وَمَا بَعْدَهَا، مِثْلُ:" وَيَذَرُهُمْ [3] فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ" [الأعراف: 186]. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) أَيْ بِتَوَلِّيكُمْ وَإِعْرَاضِكُمْ. (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي لكل شي حَافِظٌ." عَلى " بِمَعْنَى اللَّامِ، فَهُوَ يَحْفَظُنِي مِنْ أن تنالوني بسوء.

[1] راجع ج 20 ص 124.
[2] من ع.
[3] بالباء وسكون الراء قراءة. راجع ج 7 ص 334.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 9  صفحه : 53
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست