فَقَالُوا: أَرَادَ أَظْلَافَ الْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ. والأزلام العرب ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مِنْهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي كَانَ يَتَّخِذُهَا كُلُّ إِنْسَانٍ لِنَفْسِهِ، عَلَى أَحَدِهَا افْعَلْ، وَعَلَى الثاني لا تفعل، والثالث مهمل لا شي عَلَيْهِ، فَيَجْعَلُهَا فِي خَرِيطَةٍ مَعَهُ، فَإِذَا أَرَادَ فعل شي أَدْخَلَ يَدَهُ- وَهِيَ مُتَشَابِهَةٌ- فَإِذَا خَرَجَ أَحَدُهَا ائْتَمَرَ وَانْتَهَى بِحَسَبِ مَا يَخْرُجُ لَهُ، وَإِنْ خرج القدح الذي لا شي عَلَيْهِ أَعَادَ الضَّرْبَ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ضَرَبَ بِهَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حِينَ اتَّبَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَقْتَ الْهِجْرَةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِهَذَا الْفِعْلِ: اسْتِقْسَامٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهِ الرِّزْقَ وَمَا يُرِيدُونَ، كَمَا يُقَالُ: الِاسْتِسْقَاءُ فِي الِاسْتِدْعَاءِ لِلسَّقْيِ. وَنَظِيرُ هَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُ الْمُنَجِّمِ: لَا تَخْرُجْ مِنْ أَجْلِ نَجْمِ كَذَا، وَاخْرُجْ مِنْ أَجْلِ نَجْمِ كَذَا. وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ:" وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً" «3»
الآية] لقمان: 34]. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي- سَبْعَةُ قِدَاحٍ كَانَتْ عِنْدَ هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا مَا يَدُورُ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ النَّوَازِلِ، كُلُّ قِدْحٍ مِنْهَا فيه كتاب، قدح فيه العقل من أم الدِّيَاتِ، وَفِي آخَرَ" مِنْكُمْ" وَفِي آخَرَ" مِنْ غَيْرِكُمْ"، وَفِي آخَرَ" مُلْصَقٌ" «4»
، وَفِي سَائِرِهَا أَحْكَامُ المياه وغير ذلك،
(1). تقدم الكلام عليه في غير موضع، راجع قداح الميسر في ج 3 ص 58.
(2). البيت بتمامه:
حتى إذا حسر الظلام وأسفرت ... بكرت تزل عن الثرى (أزلامها)
(3). راجع ج 14 ص 82.
(4). كان العرب إذا شكوا في نسب أحدهم ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم وجزور، فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، ثم قالوا: يا إلهنا هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا وكذا فأخرج الحق فيه، ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب، فإن خرج عليه (منكم) كان منهم وسيطا، وإن خرج (من غيركم) كان حليفا، وإن خرج (ملصق) كان على منزلته فيهم لا نسب له ولا حلف. (سيرة ابن هشام).